موسوعة اللغة العربية

المَطلَبُ الأوَّلُ: تعريفُ الشِّعرِ النَّبَطيِّ وخَصائِصُه: 


استِمرارًا لتطوُّرِ الشِّعرِ العَرَبيِّ وظُهورِ أشكالٍ وأنماطٍ شِعريَّةٍ جديدةٍ ابتكرها المحْدَثون؛ كالموشَّحاتِ، والمخَمَّساتِ، والمَوالِيَّا، والقُومَا، وغَيرِ ذلك؛ ظهر نمَطٌ جديدٌ من أنماطِ الشِّعرِ يُسمَّى بالشِّعرِ النَّبَطيِّ، حيثُ (يُطلَقُ مُسَمَّى الشِّعرِ النَّبَطيِّ على الشِّعرِ الذي يتناقَلُه جمهورُ النَّاسِ من العامَّةِ والخاصَّةِ ويَنْظِمونَه بلَهجتِهم ولُغةِ الخِطابِ الدَّارِجةِ على ألسِنَتِهم في مُعظَمِ أنحاءِ الجَزيرةِ العربيَّةِ، وخُصوصًا بَينَ القبائِلِ الرُّحَّلِ وسكَّانِ وَسَطِ الجَزيرةِ ومِنطَقةِ نَجدٍ، في أوسَعِ وأشمَلِ تعريفٍ لها، وقد نزَح هذا الفَنُّ الشِّعريُّ مع من نزَح من القبائِلِ العربيَّةِ من الجزيرةِ؛ لتَستقِرَّ في بلادِ الشَّامِ والرَّافِدَينِ، ووصلَت حتى الأهوازِ وعَرَبستان، ولقبائِلِ البَدوِ في صَحارى النَّقبِ وسِيناءَ وشمالِ أفريقيا شِعرٌ قريبٌ من الشِّعرِ النَّبَطيِّ في اللُّغةِ والرُّؤيةِ والبناءِ، وإن عُرِف بأسماءٍ أُخرى) [912] ((الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص)) لسعيد العبد الله الصويان (ص67). .
وقد وُجِّهَت انتقاداتٌ كثيرةٌ إلى هذا النَّمَطِ الشِّعريِّ؛ لكَونِه يؤصِّلُ للعامِّيَّةِ بديلًا عن الفُصحى، حتى صُنِّفَ كتابٌ في التَّصدِّي للنَّبَطيِّ، عُنوانُه «كَفُّ المُخْطِي عن الدَّعوةِ إلى الشِّعرِ النَّبَطِي»، وممَّا ورد فيه بشَأنِ أنصارِ ذلك النَّمَطِ: (إنَّهم دُعاةُ العامِّيَّةِ، وما أدراك ما العامِّيَّةُ؟! سواءٌ كانت دَعوتُهم سافرةً جِهارًا نهارًا، كما تبنَّتْه الصُّحُفُ وغَيرُها، أو دعوةً مُستَتِرةً تحتَ ثَوبٍ فَضفاضٍ نسجَتْه أيدي الأعداءِ فألبسَتْه أمَّةَ الإسلامِ، والعَرَبَ العَرْباءَ، وشَبابَ الصَّحوةِ؛ وذلك فيما يُسَمَّى بالشِّعرِ النَّبَطيِّ) [913] ((كفّ المخطي عن الدعوة إلى الشعر النبطي، دراسة تأصيلية على ضوء الكتاب والسنة)) لذياب بن سعد الغامدي (ص7). .
وفي مَوضِعٍ آخَرَ من هذا الكتابِ: (ولو استسلَمَ العُلَماءُ أمامَ هذه السَّفْسَطةِ والجَهالةِ التي يتَّكِئُ عليها عُشَّاقُ النَّبَطيِّ في القَرنِ الثَّاني عَشَرَ الهِجريِّ وما تلاه من قُرونٍ، لكانت اللُّغةُ الفُصحى اليومَ خَبَرًا بَعدَ عِيانٍ، كما يرادُ لها... وما زِلْنا نظُنُّ أنَّ جَذوةَ دُعاةِ النَّبَطيِّ ستَنطفئُ، وتنهارُ قُواهم، حتَّى اتَّسع الخَرقُ، وتجاوَزَ شِعْرُهم حُدودَه، وعَلَت أصواتُهم، حتى استباحوا الصُّحُفَ والمجلَّاتِ والإذاعاتِ، وأقاموا النَّدَواتِ والأُمسِياتِ؛ تمجيدًا وتعزيزًا، وتقريرًا وتقنينًا لنَشرِ النَّبَطيِّ) [914] ((كفّ المخطي عن الدعوة إلى الشعر النبطي، دراسة تأصيلية على ضوء الكتاب والسنة)) لذياب بن سعد الغامدي (ص11- 13). .  
وفي المقابِلِ زَعَم آخَرون أنَّ الشِّعرَ النَّبَطيَّ يستخدِمُ قواعِدَ وأصولَ الشِّعرِ العربيِّ الفصيحِ، وذكَروا إطراءً على ذلك النَّبَطيِّ، فيه مبالغاتٌ كثيرةٌ.
(ويبدو أنَّ حاضِرةَ الجزيرةِ العَرَبيَّةِ كانوا أقدَمَ من باديتِها تأثُّرًا بالشِّعرِ النَّبَطيِّ؛ لأنَّنا نجِدُ الحاضِرةَ سريعةَ التَّأثُّرِ والتَّقليدِ للغَيرِ؛ وذلك بحُكمِ صِلتِها بالأُمَمِ، بوساطةِ التِّجارةِ وغَيرِها) [915] ((الأدب الشعبي في جزيرة العرب)) لعبد الله بن محمد بن خميس (ص78).
أصلُ تَسميةِ الشِّعرِ النَّبَطيِّ:
اختَلف المؤَرِّخون والأُدَباءُ في سرِّ تسميةِ ذلك اللَّونِ من الشِّعرِ بهذا الاسمِ؛ فقيل: سُمِّي بذلك لأنَّ أوَّلَ من قاله هم عَرَبٌ يَسكُنونَ واديَ نَبَطٍ بناحيةِ المدينةِ النَّبويَّةِ، وقيل: نسبةً إلى جيلٍ قَدِموا من بلادِ فارِسَ، من العَرَبِ المُستَعرِبةِ، ونزلوا بالبطائِحِ، يُعرَفونَ بالأنباطِ، وهذا شِعْرُهم؛ وقيل: لأنَّه مُستنبَطٌ -أي: مُستحدَثٌ- من الشِّعرِ الفَصيحِ [916] ينظر: ((كفّ المخطي عن الدعوة إلى الشعر النبطي، دراسة تأصيلية على ضوء الكتاب والسنة» لذياب بن سعد الغامدي (ص104). .
على أنَّ ذلك الشِّعرَ مُشتَهِرٌ بـ "الشِّعرِ البَدَويِّ"؛ لأنَّه متداوَلٌ بَينَ القبائِلِ البَدَويَّةِ التي هاجَرَت في القُرونِ المتأخِّرةِ من وَسَطِ جَزيرةِ العَرَبِ، كما يُسمَّى كذلك بالشِّعرِ العامِّيِّ، والشِّعرِ الشعبيِّ والشِّعرِ الملحونِ [917] ينظر: ((الشعر الشعبي مصدرًا لتاريخ نجد في القرنين الثاني عشر والثالث عشر من الهجرة))، د. عبد الله الصالح العثيمين (ص147- 148). .
خصائِصُ الشِّعرِ النَّبَطيِّ:
يتَّسِمُ الشِّعرُ النَّبَطيُّ ببعضٍ من الخصائِصِ، أهمُّها:
1- مخالَفةُ قواعدِ اللُّغةِ في سَبيلِ الحِفاظِ على استقامةِ وَزنِ البَيتِ الشِّعريِّ.
2- الابتكارُ في الوَزنِ والمعنى وطريقةِ الإلقاءِ.
3- استِخدامُ الفُصحى بجُذورِ مُفرداتِها في سياقِ العامِّيَّةِ أحيانًا.
4- التزامُ قافيتَينِ في القصيدةِ الواحدةِ؛ قافيةٍ للشَّطرِ الأوَّلِ، والأُخرى للثاني، وإن كانتا غالبًا تكونانِ من حرفٍ واحدٍ إلَّا أنهما تختلفانِ في الحَرَكاتِ، ووجودِ حَرفِ التَّأسيسِ قَبلَ إحداهما.
5- تعدُّدُ الأوزانِ في قصائِدِ الشِّعرِ النَّبَطيِّ؛ إذ لا ينحَصِرُ في أوزانٍ محدودةٍ، بل يصوغُ الشَّاعِرُ القصيدةَ على أيِّ تفعيلةٍ شاء، وإن لم تكُنْ في تفعيلاتِ البُحورِ المعروفةِ [918] ينظر: ((الأدب الشعبي في جزيرة العرب)) لعبد الله بن محمد بن خميس (ص: 82- 85)، ((الشعر النبطي ذائقة الشعب وسلطة النص)) لسعيد العبد الله الصويان (ص145). .

انظر أيضا: