موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: المَوْضوعاتُ


أثارَ الشُّعَراءُ العبَّاسيُّونَ ضَجَّةً كَبيرةً في الأدَبِ العَربيِّ بما أحْدَثوه مِن ثَوْرةٍ على الشِّعْرِ العَربيِّ، طالَتْ جَميعَ فُروعِ الشِّعْرِ وما يَتَعلَّقُ به، فعلى صَعيدِ المَوْضوعاتِ جدَّدَ الشُّعَراءُ بعضَ الأغْراضِ الَّتي كانَتْ مَوْجودةً على اسْتِحياءٍ في الشِّعْرِ الإسلاميِّ حتَّى سُقوطِ الأُمَوِيِّينَ، بلْ ما كانَ الشُّعَراءُ الجاهِليُّونَ يُقِلُّونَ مِنه، فشِعْرُ الخَمْريَّاتِ الَّذي اخْتَفى زَمانَ الإسلامِ والأُمَوِيِّينَ رَجَعَ أكْثَرَ قُوَّةً ممَّا كانَ عليه في العَصْرِ الجاهِليِّ نفْسِه؛ فبعْدَ أن كانتِ الأبْياتُ في وَصْفِ الخَمْرِ قَليلةً، لا تَعْدو أن تكونَ مُجَرَّدَ مُقدِّماتٍ خَمْريَّةٍ للوُصولِ إلى غَرَضِ الشَّاعِرِ، صارت غَرَضًا خاصًّا مُسْتقِلًّا.
كذلك تَوسَّعَ الشُّعَراءُ في أشْعارِ الغَزَلِ، وكَثُرتْ عنْدَهم أشْعارُ التَّشْبيبِ والفُحْشِ، كما انْتَشَرَتْ أيضًا أشْعارُ الغَزَلِ العُذْريِّ العَفيفِ، في حينِ ابْتَكَرَ الشُّعَراءُ نَوْعًا جَديدًا مِن الغَزَلِ، وهو التَّغزُّلُ بالغِلْمانِ، وهو غَرَضٌ لم يَعرِفْه العَربُ مِن قبْلُ، وإنَّما أمْلى عليهم هذا الغَرَضَ طَبيعةُ عَصْرِهم والمُتَعُ واللَّذَّاتُ الَّتي أُغرِقوا فيها.
واسْتَحْدَثَ الشُّعَراءُ كذلك الشِّعْرَ التَّعْليميَّ، وهو عِبارةٌ عن نَظْمِ المادَّةِ العِلميَّةِ في إطارٍ شِعْريٍّ مَنْظومٍ، الَّتي تَحْوي أطْرافَ عِلمٍ مِن العُلومِ وتُلِمُّ بشُعَبِه وتُقيِّدُ أوابِدَه؛ ليَسهُلَ على الطَّلَبةِ حِفْظُه واسْتِذْكارُه.
في حينِ تَناوَل الشَّاعِرُ العبَّاسيُّ سائِرَ المَوْضوعاتِ الأخرى مِن مَدْحٍ وهِجاءٍ ورِثاءٍ وفَخْرٍ وحَماسةٍ وغيْرِها، كما كانت في الجاهِليَّةِ والإسلامِ، بَيْدَ أنَّه أضافَ عليها مِن المَعاني وحُلَلِ الألْفاظِ ما يُناسِبُ عَصْرَه والتَّقدُّمَ والازْدِهارَ الَّذي عاشَه.
وهكذا جاءتِ المَوْضوعاتُ الشِّعْريَّةُ في العَصْرِ العبَّاسيِّ الأوَّلِ مَزيجًا بَيْنَ الجَديدِ والقَديمِ، فالشَّاعِرُ تَناوَلَ المَوْضوعاتِ القَديمةَ، وأضفى عليها لَمْسةً مِن الحَداثةِ لا تَطمِسُ هُويَّتَها ولا تُغيِّرُ مَعالِمَها، واسْتَحدَثَ مَوْضوعاتٍ جَديدةً تُلائِمُ عَصْرَه وتُواكِبُ تَطوُّراتِ الزَّمانِ الَّذي يَعيشُ فيه [530] ينظر: ((تاريخ الأدب العربي)) لشوقي ضيف (3/181). .

انظر أيضا: