موسوعة اللغة العربية

الفصلُ الثَّالثُ: تَأكيدُ المَدْحِ بما يُشبِهُ الذَّمَّ


هو أن يُبالِغَ المُتكلِّمُ في المَدْحِ، فيَعمِدَ إلى الإتْيانِ بعِبارةٍ يَتوهَّمُ السَّامِعُ مِنها في بادِئِ الأمْرِ أنَّها ذمٌّ، فإذا هي مَدْحٌ مُؤكَّدٌ.
وهو ضَربانِ: أفضَلُهما أن يُستثنَى من صفةِ ذَمٍّ مَنفيَّةٍ عن الشَّيءِ صِفةُ مَدحٍ، بتقديرِ دُخولِها فيها، نحوُ قَولِه تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا [الواقعة: 25] ؛ فالتَّأكيدُ فيه من جهةِ أنَّه كدعوى الشَّيءِ ببَيِّنةٍ، وأنَّ الأصلَ فى الاستثناءِ الاتِّصالُ، فذِكرُ أداتِه قَبلَ ذِكرِ ما بَعدَها يُوهِمُ إخراجَ الشَّيءِ ممَّا قَبلَها، فإذا وَلِيها صفةُ مَدحٍ جاء التَّأكيدُ.
والثَّاني: أن يُثبَتَ لشَيءٍ صِفةُ مَدحٍ، ويُعقَبَ بأداةِ استثناءٍ تليها صِفةُ مَدحٍ أُخرى له، كقَولِهم: زيدٌ كريمٌ إلَّا أنَّه شُجاعٌ! وأصلُ الاستثناءِ في هذا الضَّربِ أيضًا أن يكونَ مُنقَطِعًا، لكِنَّه باقٍ على حالِه لم يُقدَّرْ متَّصِلًا، فلا يفيدُ التَّأكيدَ إلَّا من الوَجهِ الثَّاني من الوَجهَينِ المذكورَينِ؛ ولهذا كان الأوَّلُ أفضَلَ.
ومن أمثلةِ الأوَّلِ قَولُ النَّابغةِ الذُّبيانيِّ:
ولا عَيْبَ فيهم غَيرَ أنَّ سُيوفَهم
بهِنَّ فُلولٌ مِن قِراعِ الكَتائِبِ [198] يُنظر: ((البلاغة الصافية)) للجناجي (ص: 271)، ((نهاية الأرَب في فنون الأدب)) لشهاب الدين النويري (7/121). .

انظر أيضا: