موسوعة اللغة العربية

تمهيدٌ: (مُعجَمُ الرَّائِدِ) لجُبران مَسْعود


كان أوَّلُ أصْحابِ هذا الاتِّجاهِ هو جُبْرانَ -أو جِبرائِيلَ- مَسْعود، الأدِيبَ اللُّبْنانيَّ الشَّهيرَ، وكان سَببُ هذا الاتِّجاهِ أنَّه كان أسْتاذًا في إحدى المَدارِسِ، وكان يُعاني كَيفيَّةَ تَلقينِ التَّلاميذِ وهِدايتِهم لكَيفيَّةِ البَحْثِ في المَعاجِمِ، ومعَ بَذْلِه لجَميعِ الحِيلِ والطَّرائقِ فإنَّها لم تُؤتِ ثِمارَها، وما ذلك إلَّا لصُعوبةِ المَعاجِمِ وطَريقتِها، يقولُ: ((لأنَّ أساليبَ المَعاجِمِ لم تكنْ على مُستوى العَصْرِ؛ فأنَّى للباحِثِ أنْ يَهتديَ بسُرعةٍ وسُهولةٍ إلى مَعاني الكَلِماتِ المَطْلوبةِ؟! والكَلِماتُ مَبْثوثةٌ في المَعاجِمِ بطَرائِقَ تَخْتلِفُ أحْيانًا بَيْنَ مُعجَمٍ وآخَرَ، حسَبَ قواعِدَ تُحاوِلُ مُراعاةَ المَنطِقِ الصَّرفيِّ وغيرِه، ولكنَّها لا تَرْعى مَنطِقَ المَخارِجِ الأبْجديَّةِ في أوَائِلِ الألْفاظِ.
أنَّى للباحِثِ المُسْتهدي أنْ يَقِفَ على المَعْنى المُرادِ، واللَّفظةُ تائِهةٌ في مَظانِّها بَيْنَ إعْلالٍ وإدْغامٍ واشْتِقاقٍ وتَعْريبٍ؟! فإذا بـ"المَدرَسةِ" تُدرَجُ في بابِ الدَّالِ لا في بابِ المِيمِ، وإذا بـ"تَدَارس" تُدرَجُ في بابِ الدَّالِ لا في بابِ التَّاءِ، وإذا بـ"قال" تَحارُ بَيْنَ "قوَل" و"قيَل"!))
[306] ((مُعجَم الرائد)) لجبران مسعود (ص: 6). .
وقد رأى -إيمانًا منه بواجِبِه نَحْوَ اللُّغةِ- ((أنَّ مِن وَسائِلِ إحْياءِ العَربيَّةِ وإغْنائِها وتَقْريبِها وخِدمةِ مُريديها والقَضاءِ على عُقوقِ بعضِ أبْنائِها- وَضْعَ مُعجَمٍ عَصْريٍّ يُحدِثُ انْقِلابًا في المَظهَرِ، ويُساعِدُ على تَطْويرِ الجَوهَرِ؛ مُعجَمٍ عَصْريٍّ تُثبَتُ فيه الكَلِماتُ وَفقًا لحُروفِها الأُولى؛ فـ"المَدرَسةُ" في بابِ المِيمِ، و"دَرَس" في بابِ الدَّالِ، و"تَدارَس" في باب التَّاءِ، معَ مُراعاةِ الرَّبطِ بَيْنَ الكَلِماتِ ذاتِ الأصْلِ الواحِدِ ما أمْكَنَ الرَّبطُ.
يُضافُ إلى هذا التَّغْييرِ في المَظهَرِ تَعْديلٌ في الجَوهرِ، يُبقي على المَعاني المُتَوارَثةِ المَقْبولةِ، ولكنْ تُسَهَّلُ الشُّروحُ، فلا يكونُ الشَّرْحُ أصْعَبَ مِنَ الكَلِمةِ المَشْروحةِ، وتُنظَّمُ المَعاني بحيثُ يُراعى في تَقْديمِها أو تَأخِيرِها أوَّليَّةُ النِّسبةِ أو أفْضَليَّةُ الشُّيوعِ، هذا فضْلًا عمَّا يُضافُ إلى المَعاني مِن مَعانٍ مُسْتحدَثةٍ في اللُّغةِ وعُلومِها، وما يُضافُ إلى المُعجَمِ مِن كَلِماتٍ جَديدةٍ، صَحيحةِ النِّسبةِ للعَربيَّةِ، تَحمِلُ مِن جَنى التَّطوُّرِ والنَّحْتِ والاشْتِقاقِ والاخْتِصاصِ، ومِن لَقاحِ الاحْتِكاكِ الحَضاريِّ ما لا يُمكِنُ إغْفالُه أو طَرْحُه))
[307] ((مُعجَم الرائد)) لجبران مسعود (ص: 7). .

انظر أيضا: