موسوعة اللغة العربية

المبحث الأوَّلُ: تَعْريفُ الدَّلالةِ لُغةً واصْطِلاحًا


لُغةً: قال ابنُ فارِسٍ: (الدَّالُ واللَّامُ أصْلانِ: أحَدُهما: إبانَةُ الشَّيءِ بأمارةٍ تَتعلَّمُها، والآخَرُ: اضْطِرابٌ في الشَّيءِ؛ فالأوَّلُ قولُهم: دَلَلْتُ فُلانًا على الطَّريقِ. والدَّليلُ: الأمارَةُ في الشَّيءِ. وهو بيِّنُ الدَّلالةِ والدِّلالةِ) [187] ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 259). ، ويقولُ الجَوهريُّ: (الدَّلالةُ في اللُّغةِ مَصدَرُ دَلَّهُ على الطَّريقِ دَلالَةً ودِلالَةً ودُلولَةً، في مَعْنى أرْشَدَه) [188] ((الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري (4/ 1698). ، وفي اللِّسانِ: (ودَلَّه على الشَّيءِ يَدُلُّه دَلًّا ودَلالةً فانْدَلَّ: سدَّده إِليه،... والدَّلِيلُ: ما يُسْتَدَلُّ به، والدَّلِيلُ: الدَّالُّ، وقد دَلَّه على الطَّريقِ يَدُلُّه دَلالةً ودِلالةً ودُلولةً، والفَتْحُ أَعْلى، والدَّلِيلُ والدِّلِّيلى: الَّذي يَدُلُّك...) [189] ((لسان العَرب)) لابن منظور (1/ 399 وما بعدها). ، وفي القاموسِ المُحيطِ: (ودَلَّهُ عليه دَلالَةً فانْدَلَّ: سَدَّدَهُ إليه. والدِّلِّيلى كخِلِّيفَى: الدَّلالَةُ أو عِلْمُ الدَّليلِ بها ورُسوخُهُ) [190] ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 1000).                         .
والدَّلالةُ بهذا المَعْنى لا تَخْتصُّ باللُّغةِ فقطْ، بل هي عامَّةٌ في كُلِّ ما يُوصِلُ إلى المَدلولِ، ومتى دلَّ الشَّيءُ على مَعْنًى فقد أخْبَرَ عنه وإنْ كان صامِتًا، وأشار إليه، وإنِ كان ساكِنًا [191] يُنظَر: ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/81). ، ويَنْبغي هنا التَّفرقَةُ بَينَ (الدَّلالةِ) وبَينَ (المَعْنى)؛ فالدَّلالةُ هي مَجْموعُ المَعاني اللُّغويَّةِ الَّتي يَتضمَّنُها اللَّفظُ، وهي وَسيلةُ الوُصولِ إلى المَعْنى، فبها يُومَأُ إلى مَفْهومِ اللَّفظِ؛ لِذا تُعَدُّ الدَّلالةُ أوسَعَ مِنَ المَعْنى وأشْملَ.
ويُمكِنُ مِن هذا العَرْضِ المُعجَميِّ أن يُسْتفادَ:
أوَّلًا: أنَّ كَلِمةَ (دَلالة) مُثلَّثةُ الفاءِ، أو أنَّها مَفْتوحةُ الفاءِ ومَكْسورتُها؛ فهي مِنَ المُثنَّياتِ [192] يُنظَر: ((المثلث)) لابن السيد البطليوسي (2/ 4). .
ثانيًا: أنَّ المَعْنى المُحوَريَّ الَّذي تَدورُ حولَه مادَّةُ (دلل) هو الإرْشادُ والإبانَةُ والتَّسديدُ بالأمارةِ، أو بأيِّ عَلامةٍ أخرى لَفْظيَّةٍ أو غيرِ لَفْظيَّةٍ [193] يُنظَر: ((دلالة السياق)) لردة الله بن ردة (ص: 27). وللاستزادة يُنظَر: ((في الدلالة اللُّغويَّة)) لعبد الفتاح البركاوي (ص: 22)، ((المفردات في غريب القرآن)) للأصفهاني (ص: 171)، ((معجم ألفاظ القرآن)) لمجمع اللغة العربية (1/ 415). .
اصْطِلاحًا: ذكَر التَّهانَويُّ أنَّ الدَّلالةَ في مُصْطلَحِ أهْلِ المِيزانِ، (أي: أهْلِ المَنطِقِ) والأصُولِ والعَربيَّةِ والمُناظَرةِ هي أنْ يكونَ الشَّيءُ بحالةٍ يَلزَمُ مِنَ العِلمِ بها العِلمُ بشيءٍ آخَرَ [194] يُنظَر: ((كشاف اصطلاحات الفنون)) للتهانوي (1/ 787). ، وحدَّها الأصْفهانيُّ بقولِه: (اعْلَمْ أنَّ دَلالةَ اللَّفظِ عِبارةٌ عن كَونِه بحيثُ إذا سُمِع أو تُخُيِّل لاحَظَتِ النَّفْسُ مَعْناه) [195] ((شرح مختصر ابن الحاجب)) للأصبهاني (1/ 120). ، وقال الزَّرْكَشيُّ: (هي: كَونُ اللَّفظِ بحيثُ إذا أُطلِقَ فَهِم منه المَعْنى مَنْ كان عالِمًا بوَضْعِه له) [196] ((البحر المحيط في أصول الفقه)) للزركشي (2/ 68). ، وقال ابنُ النَّجَّارِ: (كَونُ الشَّيءِ يَلزَمُ مِن فَهْمِه فَهْمُ شيءٍ آخَرَ؛ فالشَّيءُ الأوَّلُ: هو الدَّالُّ، والشَّيءُ الثَّاني: هو المَدلولُ) [197] ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/ 125)، ويُنظَر: ((التَّعْريفات)) للجرجاني (ص: 93). .
وهي عند الأُصولِيِّينَ:
كَونُ الشَّيءِ بحالَةٍ يَلزَمُ مِنَ العِلمِ بها العِلمُ بشيءٍ آخَرَ، والشَّيءُ الأوَّلُ هو الدَّالُّ، والثَّاني هو المَدلولُ [198] يُنظَر: ((التَّعْريفات)) للجرجاني (ص: 61)، ((تحرير القَواعِد المنطقية)) للقزويني (ص: 28). ، وهذا التَّعْريفُ لا يَخرُجُ عن تَعْريفِ المَناطِقةِ، وهو فَهْمُ أمرٍ مِن أمرٍ، أو كَونُ أمرٍ بحيثُ يُفهَمُ منه أمرٌ آخَرُ، فُهِم بالفِعلِ أو لم يُفهَمْ، ومال أحدُ الباحِثينَ إلى تَعْريفِ ابنِ حَزْمٍ وغيرِه، وهو أنَّ الدَّلالةَ: فِعلُ الدَّليلِ [199] يُنظَر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) لابن حزم (1/ 41)، ((التمهيد في أصول الفقه)) للكلوذاني (1/ 61). وللاستزادة حول معنى الدلالة عند الأصوليين يُنظَر: ((دلالة السياق)) لردة الله بن ردة (ص: 28)، ((في الدلالة اللُّغويَّة)) لعبد الفتاح البركاوي (ص: 23) من الهامش، ((البحث الدلالي في المعجمات الفقهية المتخصصة)) لدلدار غفور (ص: 132). .
يَتبيَّنُ مِن هذا العَرْضِ لمَفْهومِ الدَّلالةِ عند أصْحابِ المَعاجِمِ وعند الأُصولِيِّينَ أنَّ النَّظرَ في الدَّلالةِ لم يكنْ حِكْرًا على اللُّغويِّينَ، بل شارَكَهم في تَصوُّرِها عُلَماءُ ومُفكِّرون آخَرون، أمَّا عنِ المْحدَثِينَ فقد عرَّف أحَدُهم عِلمَ الدَّلالةِ بأنَّه: العِلمُ الَّذي يَدرُسُ المَعْنى، أو دِراسةُ المَعْنى، أو ذلك الفَرعُ مِن عِلمِ اللُّغةِ الَّذي يَتناوَلُ نَظريَّةَ المَعْنى، أو ذلك الفَرعُ الَّذي يَدرُسُ الشُّروطَ الواجِبَ تَوافُرُها في الرَّمزِ حتَّى يكونَ قادِرًا على حَمْلِ المَعْنى [200] يُنظَر: ((علم الدلالة)) لأحمد مختار عمر (ص: 11). ، وجعَله بعضُهم مُرادِفًا لدِراسةِ المَعْنى [201] يُنظَر: ((علم اللغة مقدمة للقارئ العَربي)) لمحمود السعران (ص: 213). ، وعرَّفه لاينز بأنَّه: البَحْثُ في المَعْنى بوَجْهٍ عامٍّ [202] يُنظَر: ((في الدلالة اللُّغويَّة)) لعبد الفتاح البركاوي (ص: 28). ، وعلى ذلك؛ فإنَّ عِلمَ الدَّلالةِ مَعْنِيٌّ بالمَعْنى في المَقامِ الأوَّلِ، ويَعكِفُ على دِراستِه.

انظر أيضا: