موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الثَّاني: أقسامُ الأفعالِ بالنِّسبةِ لبنائِها للمفعولِ


الأفعالُ التي اتَّفَق النَّحْويُّونَ على أنَّه لا يجوزُ بِناؤها للمَفعولِ:
وهي الأفعالُ التي لا تتصَرَّفُ، مِثْلُ: نِعْمَ وبِئْسَ، وعسى وليْس، وحَبَّذا، وفِعْلِ التعَجُّبِ، وهذه الأفعالُ لم يجُزْ بناؤُها للمَفعولِ؛ لأنَّ ذلك نوعٌ مِنَ التصَرُّفِ، وهي أفعالٌ جامِدةٌ.
قِسمٌ اختَلَف فيه النَّحْويُّونَ:
وهي (كان وأخواتها):
فقد أجاز الفَرَّاءُ بناءَها للمَفْعولِ، ويُحذَفُ اسمُ (كان) ويُقامُ الخَبْرُ مَقامَه.
وأجاز السِّيرافيُّ بنِاءَها للمَفْعولِ، ويُحذَفُ كُلٌّ من الاسْمِ والخَبَرِ.
وأجاز سِيبَوَيهِ بناءَها للمَفْعولِ بشَرطِ أن يكونَ في الكلامِ ظَرفٌ أو جارٌّ ومجرورٌ؛ لِيَقومَ مَقامَ الاسمِ المحذوفِ، مِثْلُ: كان زيدٌ في الدَّارِ: كِينَ في الدَّارِ [885] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 46). .
ومَنَع بناءَها للمَفْعولِ أبو عليٍّ الفارِسيُّ [886] يُنظر: ((شرح الجمل)) لابن عصفور (1/ 563). ، وهو قَولُ البَصْرِيِّينَ [887] يُنظر: ((التبصرة والتذكرة)) للصيمري (1/ 125). .
قِسمٌ اتَّفَق النَّحْوِيُّونَ على جوازِ بِنائِها للمَفْعولِ:
وهو ما بَقِيَ من الأفعالِ المتصَرِّفةِ.
مسألةٌ: هل صيغةُ المبنيِّ للمَفْعولِ (فُعِلَ) مغيَّرٌ مِن صيغةِ الفاعِلِ أو هو بناءٌ برَأْسِه؟
مَذهَبُ جُمهورِ البَصْرِيِّينَ وسِيبَوَيهِ [888] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 279). :
ذَهَب البَصْرِيُّونَ إلى أنَّ المبنيَّ للمَفْعولِ فَرعٌ مِن فِعلِ الفاعِلِ [889] يُنظر: ((شرح الجمل)) لابن عصفور (1/ 567، 568). ، وهو رأيُ سِيبَوَيهِ [890] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 279). ، وهو الرَّاجِحُ. واستدَلُّوا على ذلك بتَرْكِ الإدغامِ في مِثْلِ: سُويِرَ، إذ اجتَمَعَت الواوُ والياءُ وسُبِقَت إحداهما بالسُّكونِ، فكان لا بُدَّ أن تُقلَبَ الواوُ ياءً وتُدغَمَ الياءُ في الياءِ، وتَرْكِ الإبدالِ في مِثْلِ: (وُورِيَ)؛ ذلك أنَّه إذا اجتَمَعَت واوانِ في أوَّلِ الكَلِمةِ أُبدِلَت الواوُ الأُولى هَمْزةً وُجوبًا، فلمَّا لم يحصُلْ إبدالٌ ولا إدغامٌ دلَّ على أنَّهما ليسا بناءَينِ مُستَقِلَّينِ بنَفْسَيهما، إنما مُغَيَّرانِ عن الفِعْلِ المبنيِّ للفاعِلِ (سايَرَ، ووَارَى) [891] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 663، 664). .
مَذهَبُ الكُوفِيِّينَ:
ذهَبوا إلى أنَّه بِناءٌ برَأْسِه غيرُ مُغَيَّرٍ مِن شَيءٍ، واستدَلُّوا على ذلك بأنَّه جاءت أفعالٌ على صيغةِ المبنيِّ للمَفْعولِ، وليس لها صيغةُ فاعِلٍ تُغيَّرُ منها، مِثْلُ: جُنَّ، وغُمَّ، فلا يُقال: غَمَّ اللهُ الهِلالَ [892] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (3/ 1340). .
وردَّ الكُوفِيُّونَ على احتِجاجِ البَصْرِيِّينَ بأنَّ الإدغامَ تُرِكَ في (سُوِيرَ)؛ لأنَّه لو قيل (سُيِّرَ) لوقَعَ اللَّبْسُ بين المبنيِّ للمَجهولِ مِن (سَايَرَ)، والمبنيِّ للمَجهولِ مِن (سَيَّرَ)، وأجابوا عن تَرْكِ الإبدالِ في: وُورِيَ بأنَّ الواوَ الثَّانيةَ ليست متأصِّلةَ الواوِيَّةِ؛ إذ هي مُنقَلِبةٌ عن ألِفٍ (وارَى) [893] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 663، 664). .

انظر أيضا: