موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: الفِعلُ الماضي


القاعِدةُ العامَّةُ في الماضي:
أ- ضَمُّ الأوَّلِ وكَسْرُ ما قَبْلَ الآخِرِ، سواءٌ أكان الماضي ثلاثيًّا مُجَرَّدًا، مِثْلُ: ضَرَبَ (ضُرِب) أو مَزِيدًا فيه، مِثْلُ: أكْرَمَ واسْتَخْرَجَ (أُكْرِم واستُخْرِجَ)، أو رباعيًّا مُجَرَّدًا، مِثْلُ: دَحْرَجَ (دُحرِج)، أو رباعيًّا مَزِيدًا فيه، مِثْلُ: تَدَحْرَجَ (تُدُحْرِج) [894] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 960). .
ب- ويُضَمُّ -مع أَوَّلِه- ثالِثُه إن كان الفِعلُ أَوَّلُه هَمْزةُ وَصْلٍ، مِثْلُ: انْطَلَق، تقولُ: انطُلِقَ.
ج- ويُضَمُّ -مع أَوَّلِه- ثانيه إن كان الفِعلُ أَوَّلُه تاءٌ زائِدةٌ، مِثْلُ: تَكَلَّم وتَدَحْرَجَ، تقولُ: تُكُلِّمَ وتُدُحْرِجَ [895] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 960، 961). .
د- وإن كان ثانيه أو ثالِثُه ألفًا زائِدةً، قُلِبَت واوًا، مِثْلُ: ضارَب وتضارَبَ، تقولُ: ضُورِبَ، وتُضُورِبَ.
الماضي المُضَعَّفُ:
حُكْمُه كحُكْمِ الصَّحيحِ، ألا وهو ضَمُّ أَوَّلِه وكَسْرُ ما قَبْلَ آخِرِه، وإن فُكَّ التضعيفُ في المبنيِّ للفاعِلِ، فُكَّ في المبنيِّ للمَفْعولِ، وضَمُّ فاءِ الثُّلاثيِّ المُضَعَّفِ هو قَولُ الجُمهورِ، تَقولُ في (رَدَّ): رُدَّ، وهذه لُغةُ أكثَرِ العَرَبِ، ومِنَ العَرَبِ مَن يَكسِرُ الفاءَ -وهي لُغةُ بني ضَبَّةَ- فيقولُ: رِدَّ، وقد قُرِئَ بها [896] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) للقرطبي (9/ 224)، وهي قراءة علقمة. قَولُه تعالى: هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا [يوسف: 65] ، وأجازه بعضُ الكُوفِيِّينَ [897] يُنظر: ((شرح الجمل)) لابن عصفور (1/ 568، 569) ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 964)، ((شرح التصريح)) للأزهري (1/ 439). ، ونصَّ سِيبَوَيهِ على أنَّه لُغةٌ مُطَّرِدةٌ [898] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 422، 423). .
الماضي المِثالُ (مُعْتَلُّ الفاءِ):
إن كانت فاؤُه واوًا:
حُكمُه حُكمُ الصَّحيحِ، ويجوزُ إبدالُ الواوِ هَمْزةً، تقولُ في (وعد): وُعِدَ، وأُعِدَ.
إن كانت فاؤُه ياءً:
حُكْمُه كالصَّحيحِ، يَسَر: يُسِرَ [899] يُنظر: ((شرح الجمل)) لابن عصفور (1/ 569). .
الماضي الأجوَفُ:
ما اعتَلَّتْ عَينُه مِنَ الماضي الثُّلاثيِّ، مِثْلُ: قال وباع، فيه لغاتٌ ثَلاثٌ:
1- الإشباعُ، وهي أفصَحُ اللُّغاتِ:
وهي كَسْرُ فاءِ الكَلِمةِ كَسْرًا خالِصًا فتُقلَبُ الألِفُ ياءً، مِثْلُ: قِيلَ وبِيعَ، والأصلُ: قُوِل وبُيِعَ، نُقِلَت كَسرةُ العَينِ (الواوِ والياءِ) إلى فاءِ الكَلِمةِ بعد سَلْبِها حرَكَتَها (الضَّمَّةَ)، فأصبَحَا: قِوْلَ وبِيْعَ، ثم قُلِبَت الواوُ ياءً لِسُكونِها وانكِسارِ ما قَبْلَها (قِيلَ)، والوَزنُ هنا (فُعِل) وهذه اللُّغةُ هي لغةُ الحِجازِ وقُرَيشٍ ومَن جاورهم، وعليها لُغاتُ العَرَبِ، وبها جاء القُرآنُ الكريمُ.
2- اللُّغةُ الثَّانيةُ: الإشمامُ:
وهو: (أن تنحُوَ بكَسْرِ فاءِ الفِعْلِ نَحْوَ الضَّمَّةِ، فتُميلَ الياءَ السَّاكِنةَ بَعْدَها نحوَ الواوِ قَليلًا؛ لأنَّها تابِعةٌ لحرَكةِ ما قَبْلَها) [900] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 962). ؛ حيثُ يَجعَلونَ عَينَ الكَلِمةِ ياءً -لكن ليست خالِصةً- ويُشِمُّون ما قَبْلَها (الفاءَ) فيَجعَلونَها مُتحَرِّكةً بحَرَكةٍ بَيْنَ الكَسْرةِ والضَّمَّةِ.
وهي لُغةٌ فَصيحةٌ وإن كانت قليلةً، وهي تلي اللُّغةَ الأُولى في الفَصاحةِ.
3- اللُّغةُ الثَّالِثةُ:
أن تجعَلَ عَينَ الفِعْلَ واوًا وما قَبْلَها مَضمومٌ، سواءٌ أكان أصلُها واوًا أم ياءً، فتقول: (قُوْلَ وبُوْعَ)، وبها جاء قَولُ رُؤبةَ مِنَ الرَّجَزِ:
ليت وهل يَنفَعُ شَيئًا لَيتُ
لَيْتَ شَبابًا بُوعَ فاشتَرَيْتُ [901] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) للمرادي (2/ 26)، ((أوضح المسالك)) لابن هشام (1/ 148)، ((شرح ابن عقيل)) (1/ 168).
وذَكَروا من هذه الألفاظِ: جُوءَ، وخُوفَ، وكُولَ، وهُوبَ.
وهي أردَأُ اللُّغاتِ وأضعَفُها، وهي منسوبةٌ لفَقْعَس ودُبَيرٍ، وهما من فُصَحاءِ بَني أَسَدٍ [902] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 961)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (3/ 1345)، ((توضيح المقاصد)) للمرادي (2/ 602). .
فائِدةٌ في (افتَعَل وانفَعَل) مُعْتَلَّيِ العَينِ:
مِثْلُ: اختار وانقاد، حُكمُهما حُكمُ الثُّلاثِيِّ المُعْتَلِّ العَينِ في اللُّغاتِ الثَّلاثِ، تقول: (اخْتِيرَ وانْقِيدَ) بالإشباعِ، و(اختُورَ وانقُودَ) على اللُّغةِ الثَّالِثةِ، وفيه الإشمامُ أيضًا، وادَّعى بعضُهم أنَّ لغةَ الضَّمِّ الخالِصِ (اللُّغةَ الثَّالثةَ) مُمتَنِعةٌ هنا [903] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (1/ 438، 439). .
أمَّا في (استَفْعَلَ وأفعَلَ):
مِثْلُ: استخار وأقام، فلا يجوزُ فيهما إلَّا اللُّغةُ الأُولى (إخلاصُ الكَسْرِ) دونَ اللُّغَتَينِ الأُخرَيَينِ (الضَّمِّ والإشمامِ)؛ لأنَّ ما قَبْلَ حَرفِ العِلَّةِ هنا ساكِنٌ، فتُنقَلُ حَرَكةُ حَرفِ العِلَّةِ إليه، تقولُ: (استُخِيرَ وأُقِيمَ) [904] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 963). .
مَسألةٌ: عندَ بناءِ الفِعلِ الأجوَفِ للمَفْعولِ، وهو مُسنَدٌ لتاءِ الفاعِلِ أو نُونِ النِّسوةِ:
إذا أُسنِدَ الفِعْلُ الأجوَفُ إلى تاءِ الفاعِلِ أو نونِ النِّسوةِ، يتَّحِدُ لَفظُ المبنيِّ للفاعِلِ مع المبنيِّ للمَفْعولِ، تقول في باع: بِعْتُ وبِعْنَ، ونَفسُ الصِّيغةِ تكونُ للمبنيِّ للمَفْعولِ، فيَقَعُ الْتِباسٌ بين المبنيِّ للمعلومِ والمبنيِّ للمَجهولِ، وللعُلَماءِ أقوالٌ، والرَّاجِحُ منها أنَّ ما يَقَعُ به اللَّبسُ مِن الأوجُهِ الثَّلاثةِ السَّابِقةِ (الكَسْرُ والضَّمُّ والإشمامُ) يكونُ مُمتَنِعًا على النَّحْوِ الآتي:
أ- إن كان الفِعلُ يائيًّا (أي: ممَّا تُكسَرُ فاؤُه عندَ البِناءِ للمَعلومِ)، جاز الضَّمُّ والإشمامُ، مِثْلُ: باع، تقولُ في المبنيِّ للمَعلومِ: بِعْتُ، بكَسْرِ الفاءِ، فمِن ثَمَّ تُضَمُّ في المبنيِّ للمَجهولِ: بُعتُ، ولا يجوزُ الكَسْرُ؛ لأنَّ به يَقَعُ اللَّبْسُ.
ب- إن كان الفِعلُ واوِيًّا (أي: مما تُضَمُّ فاؤُه في البناءِ للمَعلومِ)، جاز الكَسْرُ والإشمامُ، مِثْلُ: قال، المبنيُّ للمعلومِ منه: قُلتُ، بضَمِّ الفاءِ، فمِن ثَمَّ تُكسَرُ في المبنيِّ للمَجهولِ: قِلْتُ، ولا يجوزُ الضَّمُّ؛ لأنَّ به يَقَعُ اللَّبْسُ، ولم يَلتَفِتْ سِيبَوَيهِ للإلباسِ الواقِعِ، وأجاز الأوجُهَ الثَّلاثةَ مُطلَقًا [905] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (4/ 421). ، والمغارِبةُ يَجعَلونَ الوَجْهَ المُمتَنِعَ مَرجوحًا لا ممنوعًا [906] يُنظر: ((شرح الكافية)) للرضي الإستراباذي (2/ 963)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (3/ 1342)، ((شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك)) (2/ 118)، ((المساعد)) لابن عقيل (1/ 403)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 439). .
ج- فإذا أَسْنَدْتَ المبنيَّ للمَجْهولِ مِن (افتَعَل وانفَعَل) إلى الضَّميرِ المتحَرِّكِ، فإنَّ عَيْنَهما تُحذَفُ إن كانت ألِفًا مُنقَلِبةً في المبنيِّ للمَعلومِ ويُكسَرُ ما قَبْلَها، مِثْلُ: اقتادَ وانقادَ، عَينُ الفِعْلينِ ألِفٌ مُنقَلِبةٌ في المبنيِّ للمَعلومِ، فتُحذَفُ عند الإسنادِ إلى الضَّميرِ المتحَرِّكِ في المبنيِّ للمَجهولِ ويُكسَرُ ما قَبْلَها، تقولُ: اقتِدْتُ، وانْقِدْتُ [907] يُنظر: ((دروس التصريف)) لمحمد محيي الدين عبد الحميد (ص: 213). .
الماضِي النَّاقِصُ:
إن كان من ذواتِ الياءِ (حَرْفُ العِلَّةِ ياءٌ):
مِثْلُ: رمى، فحُكمُه حُكمُ الماضي الصَّحيحِ، وهو ضَمُّ أَوَّلِه وكَسْرُ ما قَبْلَ آخِرِه، فتُقلَبُ الألِفُ ياءً للكَسْرةِ قَبْلَها، تقولُ: رُميَ.
إن كان مِن ذواتِ الواوِ:
مِثْلُ: غَزا ودَعا، فحُكمُه كالماضي الصَّحيحِ، غَيْرَ أنَّك تَقلِبُ الواوَ ياءً لتطَرُّفِها وانكِسارِ ما قَبْلَها، فتقولُ: غُزِيَ ودُعِيَ، والأصلُ: غُزِوَ، ودُعِوَ.
مُعْتَلُّ العَينِ واللَّامِ:
إن كانت العَينُ واللَّامُ مِثْلَينِ جاز الإدغامُ وعَدَمُه، تقولُ في (حَيِيَ): (حُيِيَ وحُيَّ) وإن كانا غَيْرَ مِثْلَينِ، فحُكمُه كمُعْتَلِّ اللَّامِ؛ طوى ولوى: طُوِيَ ولُوِيَ.
مُعْتَلُّ الفاءِ واللَّامِ:
يجري فيه ما يجري في مُعْتَلِّ اللَّامِ ومُعْتَلِّ الفاءِ معًا، مِثْلُ: يَدَيْتُ ووَفَيْتُ، تقولُ: يُدِيَ ووُفيَ، وأُدِيَ وأُفِيَ [908] يُنظر: ((شرح الجمل)) لابن عصفور (1/ 569، 570). .

انظر أيضا: