الموسوعة العقدية

المَطْلَبُ الثَّاني عَشَرَ: الآثارُ الإيمانيَّةُ لاسْمِ اللهِ: الحَيِّ

إنَّ اللهَ تعالى حَيٌّ ومتَّصِفٌ بصِفةِ الحياةِ، حَيٌّ أبدًا لا يموتُ، والجِنُّ والإنسُ يموتون، وكُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إلَّا وَجْهَه؛ فحياتُه سُبحانَه مُنَزَّهةٌ عن مشابهةِ حياةِ الخَلْقِ، فلا يجري عليها الموتُ أو الفَناءُ، ولا النُّعاسُ أو النَّومُ. قال سُبحانَه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] .
قال ابنُ جريرٍ: (قَولُه: الْحَيُّ فإنَّه يعني: الذي له الحياةُ الدَّائمةُ والبقاءُ الذي لا أوَّلَ له يُحَدُّ، ولا آخِرَ له يُؤَمَّدُ؛ إذ كان كُلُّ ما سواه فإنَّه وإن كان حَيًّا فلحياتِه أوَّلٌ مَحدودٌ وآخِرٌ ممدودٌ، ينقَطِعُ بانقِطاعِ أمَدِها، وينقَضي بانقِضاءِ غايتِها) [3522] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (4/ 527). .
حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قام فينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخَمسِ كلماتٍ، فقال: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ )) [3523] أخرجه مسلم (179). .
قال النوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (لا ينامُ ولا ينبغي له أن ينامَ)، فمعناه: أنَّه سُبحانَه وتعالى لا ينامُ، وأنَّه يستحيلُ في حَقِّه النَّومُ) [3524] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 13). .
وإنَّ المؤمِنَ عندما يُدرِكُ أنَّ اللهَ تعالى حَيٌّ، وأنَّ الحياةَ صِفةٌ لازِمةٌ له سُبحانَه، وله جميعُ معانيها الكامِلةِ من السَّمعِ والبَصَرِ والقُدرةِ والإرادةِ وغَيرِها من الصِّفاتِ الثَّابتةِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّه يُسلِمُ وَجهَه له إيمانًا به وتوكُّلًا عليه، ففيه رغبتُه ورهبتُه، ومَعاذُه ومَلاذُه؛ لأنَّه الحَيُّ الذي لا يموتُ، والجِنُّ والإنسُ يموتون، وحادِيه في هذا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللَّهُمَّ لك أسلَمْتُ، وبك آمَنْتُ، وعليك توكَّلْتُ، وإليك أنَبْتُ، وبك خاصَمْتُ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بعِزَّتِك لا إلهَ إلَّا أنت أن تُضِلَّني، أنت الحَيُّ الذي لا يموتُ، والجِنُّ والإنسُ يموتون )) [3525] أخرجه مسلم (2717) من حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
واللهُ جَلَّ وعلا هو الذي يَهَبُ أهلَ الجَنَّةِ تلك الحياةَ الدَّائِمةَ الأبديَّةَ الباقيةَ التي لا تفنى ولا تَبِيدُ؛ قال تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت: 64] .
قال السمعاني: (معنى الآيةِ: أنَّ في الآخرةِ الحياةَ الدَّائمةَ) [3526] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 193). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (كانت الحياةُ الدُّنيا مَتاعًا ولَهوًا ولَعِبًا، وإنَّ الدَّارَ الآخِرةَ لهي الحَيَوانُ؛ فالحياةُ الدُّنيا كالمنامِ، والحياةُ الآخِرةُ كاليَقَظةِ... نقولُ: الحَيُّ الذي الحياةُ من صفاتِ ذاتِه اللازمةِ لها، هو الذي وَهَب المخلوقَ تلك الحياةَ الدَّائمةَ، فهي دائمةٌ بإدامةِ اللهِ لها، لا أنَّ الدوامَ وَصفٌ لازمٌ لها لذاتِها، بخِلافِ حياةِ الرَّبِّ تعالى، وكذلك سائِرُ صِفاتِه؛ فصفاتُ الخالِقِ كما يليقُ به، وصِفاتُ المخلوقِ كما يليقُ به) [3527] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (1/ 90). .

انظر أيضا: