الموسوعة العقدية

 الصَّبْرُ

يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بالصَّبرِ، كما هو ثابتٌ في السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، أمَّا (الصَّبورُ) ففي إثباتِ أنَّه اسمٌ للهِ تعالى نَظَرٌ [2362] ورَدَ اسمُ الصَّبُورِ في حديثِ سَرْدِ الأسماءِ عند التِّرمذيِّ، وهو حديث ضَعيفٌ. أخرجه الترمذي (3507)، وابن حبان (808)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (102). قال الترمذي: غريب، وقال البيهقي في ((الاعتقاد)) (56): تفرد بالرواية مع ذكر الأسامي الوليد بن مسلم، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (7/58): يحتمل أن يكون ذلك - أي: التفسير للأسماء- عن غيره - صلى الله عليه وسلم - وهو الظاهر عندي، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (8/96): ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/219): إسناده غير هذا عن أبي هريرة مرفوعاً وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/108): في إسناده مقال، وقال الألباني في ((ضعيف الترمذي)) (3507): ضعيف بسرد الأسماء، وقال شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (808): رجاله ثقات، وأعل بالاضطراب واحتمال أن يكون التعيين مُدرَجًا من بعض الرواة، وبالوقف .
الدَّليلُ:
حديثُ أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((ما أَحدٌ أصبَرَ على أذًى سَمِعَه من اللهِ؛ يَدَّعون له الولدَ، ثم يُعافيهم ويَرزُقُهم! )) [2363] أخرجه البخاري (7378) واللفظ له، ومسلم (49). .
قال الزَّجَّاجُ: (الصَّبُورُ: فَعولٌ في معنى فاعِلٍ، وأصلُ الصَّبرِ في الكلامِ: الحَبسُ، يقالُ: صَبَرْتُه على كذا صَبرًا: إذا حبَسْتَه، ومعنى الصَّبرِ والصَّبورِ في اسمِ اللهِ تعالى قريبٌ مِن معنى الحَليمِ) [2364] يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 65). .
وقال الخطَّابيُّ: (معنى الصَّبُورِ في صِفةِ اللهِ سُبحانَه قريبٌ من معنى الحَليمِ، إِلَّا أنَّ الفرقَ بيْن الأمرينِ أنَّهم لا يَأمَنونَ العُقوبةَ في صِفةِ الصَّبورِ، كما يَسْلَمُون منها في صِفةِ الحليمِ. واللهُ أعلمُ بالصَّوابِ) [2365] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 98). .
وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (قال بعضُ أهلِ النَّظرِ: لا يُوصَفُ اللهُ بالصَّبرِ، ولا يُقالُ: صَبورٌ، وقال: الصَّبر تَحمُّلُ الشَّيءِ. ولا وجهَ لإنكارِ هذا الاسمِ؛ لأنَّ الحديثَ قد ورد به، ولولا التَّوقيفُ لم نَقُلْه) [2366] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (2/456). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه في الحديثِ: ((أصبَرُ)) أفعَلُ تفضيلٍ مِنَ الصَّبرِ، ومِن أسمائِه الحُسنى سُبحانَه وتعالى الصَّبورُ، ومعناه: الذي لا يُعاجِلُ العُصاةَ بالعُقوبةِ، وهو قريبٌ مِن معنى الحليمِ، والحليمُ أبلَغُ في السَّلامةِ مِنَ العُقوبةِ) [2367] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 361). .
قال ابنُ القَيِّم: (صَبْرُه تعالى يفارِقُ صَبْرَ المَخلوقِ ولا يُماثِلُه؛ من وجوهٍ متعدِّدةٍ،… والفرقُ بيْن الصَّبرِ والحِلمِ: أنَّ الصَّبرَ ثمرةُ الحِلمِ ومُوجِبُه، فعلى قَدْرِ حِلْمِ العبدِ يكونُ صبرُه، فالحلمُ في صِفاتِ الرَّبِّ تعالى أوسَعُ من الصَّبرِ… وكونُه حليمًا من لوازمِ ذاتِه سُبحانَه، وأمَّا صَبرُه سُبحانَه فمتعلِّقٌ بكُفرِ العباد وشِرْكهم ومَسَبَّتِهِم له سُبحانَه، وأنواعِ معاصيهم وفُجورِهم) [2368] يُنظر: ((عدة الصابرين)) (ص: 408). .
وقال الغُنيمان-تعليقًا على كلام المازريِّ الذي نقَلَه النوويُّ في شرْح حديثِ أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه؛ حيث قال المازريُّ: (حقيقةُ الصَّبرِ: منْعُ النَّفْسِ من الانتقامِ أو غيرِه؛ فالصَّبْرُ نتيجةُ الامتِناعِ، فأَطلَقَ اسمَ الصَّبْرِ على الامتناعِ في حقِّ اللهِ تعالى)- قال الغنيمانُ: (قلتُ: قَولُه: «فأطلق اسمَ الصَّبْرِ على الامتناعِ في حقِّ اللهِ تعالى» فيه نظرٌ؛ وذلك أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أطلَقَ على ربِّه الصَّبْرَ، وأنَّه ما أحدٌ أصبرَ منه، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلمُ الخلقِ باللهِ تعالى، وأخشاهم له، وأَقدَرُهم على البيانِ عن الحقِّ، وأنصحُهم للخَلقِ؛ فلا استدراكَ عليه؛ فيجب أنَّ يبقَى ما أطلَقَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على اللهِ تعالى بدونِ تأويلٍ، إِلَّا إذا كان يُريدُ بذلك تفسيرَ معنى الصَّبْرِ، ولكنَّ الأَوْلَى أنْ يبقى كما قال؛ لأنَّه واضِحٌ، ليس بحاجةٍ إلى تفسيرٍ) [2369] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/93). .

انظر أيضا: