موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


2- وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261] .
قال ابنُ كثيرٍ: (هذا مَثَلٌ ضربه اللهُ تعالى لتضعيفِ الثَّوابِ لمَن أنفق في سبيلِه وابتغاءَ مَرضاتِه، وأنَّ الحسَنةَ تُضاعَفُ بعَشرِ أمثالِها إلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ) [2715] يُنظَر: ((تفسير القرآن العظيم)) (1/691). ؛  لأنَّ المنفِقَ لأموالِه كريمٌ سَخيٌّ، فيقابِلُه اللهُ بكَرَمٍ أكبَرَ منه؛ فالنَّفَقةُ الطَّيِّبةُ يُنَمِّيها اللهُ عزَّ وجَلَّ لباذِلِها، ويضاعِفُ له أجْرَها سَبعَمائةِ مَرَّةٍ أو إلى أكثَرَ من ذلك بحسَبِ مَشيئتِه، وذلك وَفْقَ ما تقتضيه حكمتُه؛ فإنَّ المُنفِقين يتفاوتون إيمانًا وإخلاصًا للهِ تعالى، وتتفاوتُ نَفَقاتُهم كذلك بحسَبِ حِلِّها ونَفْعِها، وشِدَّةِ الحاجةِ إليها،  فإنَّ اللهَ تعالى واسِعُ الفَضلِ والعطاءِ، فلا يَستبعِدَنَّ أحَدٌ ذلك الأجرَ الكريمَ، أو يتوهَّمْ أنَّ فيه مبالغةً؛ فإنَّ اللهَ تعالى لا يتعاظَمُه شيءٌ، ولا يَنقُصُه العَطاءُ مهما عَظُم [2716] يُنظَر: ((جامع البيان)) لابن جرير (4/651)، ((طريق الهجرتين)) لابن القيم (ص: 364)، ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 112، 113). .
3- وقال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274] .
قال ابنُ كثيرٍ: (هذا مدحٌ منه تعالى للمُنفِقين في سبيلِه وابتغاءَ مرضاتِه في جميعِ الأوقاتِ من ليلٍ أو نهارٍ، والأحوالِ من سِرٍّ وجِهارٍ، حتَّى إنَّ النَّفقةَ على الأهلِ تدخُلُ في ذلك أيضًا) [2717] يُنظَر: ((تفسير القرآن العظيم)) (1/707). .
وقال السَّمَرْقَنديُّ: (هذا حثٌّ لجميعِ النَّاسِ على الصَّدَقةِ، يتصَدَّقون في الأحوالِ كُلِّها، وفي الأوقاتِ كُلِّها؛ فلهم أجرُهم عندَ ربِّهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون) [2718] يُنظَر: ((بحر العلوم)) للسمرقندي (1/181). .
4- قال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة: 265] ، فهذه الآيةُ تُبَيِّنُ أنَّ نفقةَ أولئك المُنفِقين المُخلِصين الصَّادِقين الذين يجُودون بأموالِهم بسخاءِ نَفسٍ، وهم مُصَدِّقون بوعدِ رَبِّ العالَمين، تُشبِهُ بستانًا غزيرَ الأشجارِ والظِّلالِ، تُغَطِّي ما فيه من كثرتِها، وهو على مكانٍ مُرتَفِعٍ من الأرضِ، فكان خصيبًا جِدًّا؛ لأنَّه لَمَّا ارتفع عن مجرى المسايِلِ والأوديةِ كانت أرضُه أغلَظَ، فكان أحسَنَ وأزكى ثمرًا وغَرسًا وزَرعًا، كما أنَّه بارتفاعِه يكونُ مُعَرَّضًا أكثَرَ للأهويةِ والرِّياحِ، وبائنًا للشَّمسِ وَقتَ طلوعِها واستوائِها وغروبِها، فيكونُ أنضَجَ ثمرًا وأطيَبَه وأحسَنَه وأكثَرَه كذلك، وسَقْيُه إنَّما يأتي من السَّماءِ، فإمَّا أن يتعرَّضَ لمطَرٍ غزيرٍ، فيتضاعَفَ إنتاجُ ثمَرِه مرَّتينِ؛ الأصلُ ومِثلُه معه، أو يصيبَه مطَرٌ خفيفٌ كالرَّذاذِ، فإنَّه يكفيه ليُؤتيَ ثمارَه مضاعفةً؛ بسَبَبِ كَرَمِ مَنبَتِه، وطيبِ مَغرَسِه، فهذه الجنَّةُ لا يُعدَمُ منها حصولُ الخيرِ بحالٍ من الأحوالِ.
فكذلك المؤمِنُ السَّخيُّ الكريمُ الباذِلُ لمالِه يضاعِفُ اللهُ تعالى صدقَتَه قَلَّت أو كَثُرَت، فلا تبورُ أبدًا، فإذا كان قَصدُه مَرضاةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ والتَّثبيتَ من نَفسِه، فهي زاكيةٌ عندَ اللهِ تعالى، وناميةٌ في جميعِ الأحوالِ. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، أي: إنَّ ما تعملونَه -أيُّها النَّاسُ- من الإنفاقِ وغيرِه، هو بمرأًى من اللهِ تعالى، لا يخفى عليه؛ فإنَّه يرى ويعلَمُ مَن المُنفِقُ منكم بالمَنِّ والأذى، ومَن المُنفِقُ ابتغاءَ مَرضاةِ اللهِ، وتثبيتًا من نفسِه، فيُحصي عليكم ذلك وغيرَه من أعمالِكم، حتَّى يجازيَكم عليها؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ [2719] يُنظَر: ((جامع البيان)) لابن جرير (4/679)، ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 114)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/327). .
5- قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ.
قال ابنُ عُثَيمين: (اللهُ عزَّ وجَلَّ يعطيك بدلًا عنه بالكَميَّةِ؛ إذا أنفَقْتَ عَشَرةً أعطاك عَشَرةً، أو بالكيفيَّةِ؛ بمعنى: أنَّ الباقيَ يُنزِلُ اللهُ سُبحانه وتعالى به البَرَكةَ حتى يكونَ مقابِلًا لما أنفَقْتَ مَضمومًا إليه. والظَّاهِرُ أنَّه يشمَلُ الأمرَينِ) [2720] ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 242(. .
وفيه الحَثُّ على الإنفاقِ، فمَن أنفق في الخيرِ فالخَلَفُ مضمونٌ له [2721] يُنظَر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة سبأ)) (ص: 242، 244). .

انظر أيضا: