موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ التَّودُّدِ


التَّودُّدُ على ضَربَينِ:
1- تودُّدٌ محمودٌ: وهو ما كان ناشِئًا عن محبَّةٍ مُعتدِلةٍ لأهلِ الخَيرِ والصَّلاحِ، وقد يُحمَدُ التَّودُّدُ إلى بعضِ أهلِ التَّخليطِ والتُّهمةِ والفِسقِ؛ بغَرضِ صلاحِ الدِّينِ والدُّنيا، وهذا غَيرُ المُداهَنةِ المذمومةِ المُحرَّمةِ، وهي: بَذلُ الدِّينِ لصلاحِ الدُّنيا [2437] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (8/ 62). .
2- تودُّدٌ مذمومٌ: وهو تودُّدُ أهلِ النِّفاقِ، يلقَونَ مَن معَه حظٌّ مِن الدُّنيا في مالٍ أو جاهٍ بالتَّملُّقِ والتَّودُّدِ والخُضوعِ والذِّلَّةِ، وإن كان أفجَرَ الخَلقِ، ويلقَونَ مَن لا حظَّ له مِن الدُّنيا بالشِّدَّةِ والغِلظةِ وسوءِ الخُلقِ، ويزدَرونَه ويُكافِحونَه بكُلِّ مكروهٍ، وإن كان أتقى النَّاسِ [2438] ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 608). .
قال تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء: 141] ، أي: يتودَّدونَ إلى المُؤمِنينَ بهذه المقالةِ، وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء: 141] ، أي: نَغلِبْ عليكم، وهذا أيضًا تودُّدٌ منهم إلى الكُفَّارِ؛ فإنَّهم كانوا يُصانِعونَ هؤلاء وهؤلاء؛ ليَحظَوا عِندَهم ويأمَنوا كَيدَهم [2439] ((التفسير)) لابن كثير (2/ 436). ، فيُصانِعونَ أهلَ الباطِلِ وأهلَ الحقِّ جميعًا، يتظاهَرونَ لكُلِّ طائِفةٍ بأنَّهم معَها على الأخرى، ويبذُلونَ الدِّينَ مِن أجلِ تحصيلِ الدُّنيا.
وعلى هذا النَّوعِ مِن التَّودُّدِ يتنزَّلُ قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذو الوَجهَينِ؛ الذي يأتي هؤلاء بوَجهٍ، وهؤلاء بوَجهٍ)) [2440] أخرجه البخاري (7179)، ومسلم (2526) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وُصِف بذلك؛ لأنَّه يأتي هؤلاء بوَجهِ التَّودُّدِ إليهم والثَّناءِ عليهم والرِّضا عن قَولِهم وفِعلِهم، فإذا زال عنهم وصار معَ مُخالِفيهم لقِيَهم بوَجهِ مَن يكرَهُ الأوَّلينَ، ويُسيءُ القولَ فيهم والذَّمَّ لفِعلِهم وقَولِهم [2441] ((المنتقى)) لأبي الوليد الباجي (9/ 252). .

انظر أيضا: