موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن ابنِ مسعودٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطِّيَرةُ شِرْكٌ)) [2012] أخرجه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538) مطَوَّلًا. صحَّحه الترمذيُّ، وابن حبان في ((صحيحه)) (6122)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/108)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (125)، وقال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4/312): جاءت الآثارُ بذلك مجيئًا متواتِرًا. .
(إنَّما سمَّاها شِركًا لأنَّهم كانوا يَرَون ما يتشاءَمون به سَبَبًا مُؤَثِّرًا في حُصولِ المكروهِ، وملاحظةُ الأسبابِ في الجملةِ شِركٌ خَفيٌّ، فكيف إذا انضَمَّ إليها جهالةٌ وسُوءُ اعتقادٍ؟!) [2013] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2897). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: "شِركٌ"، أي: أنَّها من أنواعِ الشِّركِ، وليست الشِّركَ كُلَّه، وإلَّا لقال: الطِّيَرةُ الشِّركُ، وهل المرادُ بالشِّركِ هنا الشِّركُ الأكبَرُ المُخرجُ مِن المِلَّةِ، أو أنَّها نوعٌ من أنواعِ الشِّركِ؟ نقولُ: هي نوعٌ من أنواعِ الشِّركِ، كقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اثنتانِ في النَّاسِ هما بهم كُفرٌ" [2014] أخرجه مسلم (67) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، أي: ليس الكُفرَ المُخرِجَ عن المِلَّةِ، وإلَّا لقال: هما بهم الكُفرُ. بل هما نوعٌ من الكُفرِ... فإذا تطَيَّرَ إنسانٌ بشيءٍ رآه أو سمِعَه، فإنَّه لا يُعَدُّ مُشرِكًا شِركًا يُخرِجُه من المِلَّةِ، لكِنَّه أشرَك من حيثُ إنَّه اعتَمَد على هذا السَّبَبِ الذي لم يجعَلْه اللهُ سببًا، وهذا يُضعِفُ التَّوكُّلَ على اللهِ، ويُوهِنُ العزيمةَ، وبذلك يُعتَبَرُ شِركًا من هذه النَّاحيةِ، والقاعِدةُ: أنَّ كلَّ إنسانٍ اعتَمَد على سَبَبٍ لم يجعَلْه الشَّرعُ سَبَبًا، فإنَّه مُشرِكٌ شِركًا أصغَرَ...، لكِنْ لو اعتقد هذا المتشائِمُ المتطَيِّرُ أنَّ هذا فاعِلٌ بنفسِه دونَ اللهِ، فهو مُشرِكٌ شِركًا أكبَرَ؛ لأنَّه جَعَل للهِ شريكًا في الخَلقِ والإيجادِ) [2015] ((مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)) (9/574، 575). .
2- وعن مُعاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ، قال: ((قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، أمورًا كُنَّا نصنَعُها في الجاهليَّةِ، كنَّا نأتي الكُهَّانَ، قال: فلا تأتوا الكُهَّانَ. قال: قُلتُ: كُنَّا نتطَيَّرُ، قال: ذاك شيءٌ يَجِدُه أحَدُكم في نفسِه، فلا يَصُدَّنَّكم)) [2016] أخرجه مسلم (537). .
قال السُّيوطيُّ: (معناه: أنَّ كراهةَ ذلك تَقَعُ في نفوسِكم في العادةِ، ولكِنْ لا تلتَفِتوا إليه، ولا تَرجِعوا عمَّا كنتُم عَزمتُم عليه قبلَ هذا) [2017] ((الديباج على صحيح مسلم)) (5/ 245). .
وقال الملَّا علي القاري: («قال: ذلك شيءٌ» أي: مِن قِبَلِ الظُّنونِ المعتَرِضةِ بحُكمِ البَشريَّةِ «يجِدُه أحَدُكم في نفسِه»، أي: ولا تأثيرَ منه ولا ضَرَرَ فيه. قال الطِّيبيُّ: هو نفيٌ للتَّطَيُّرِ بالبُرهانِ، وهو أبلَغُ من قَولِه: لا تطَيَّروا، كما قال: فلا تأتوا الكُهَّانَ، يعني: لا تطَّيَّرْ؛ فإنَّ الطِّيَرةَ لا وجودَ لها، بل هي شيءٌ يوجَدُ في النُّفوسِ البَشَريَّةِ، وما يعتري الإنسانَ من قِبَلِ الظُّنونِ من غيرِ أن يكونَ له فيه ضَرَرٌ، «فلا يَصُدَّنَّكم» أي: لا يمنَعْكم التَّطَيُّرُ عن المضيِّ في حاجتِكم، وعن الأمرِ الذي قصَدْتُم في خاطِرِكم) [2018] ((مرقاة المفاتيح)) (7/2902-2903). .
3- وعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يدخُلُ الجنَّةَ مِن أمَّتي سبعون ألفًا بغيرِ حِسابٍ، قالوا: مَن هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: هم الذين لا يَسْتَرقون، ولا يتطَيَّرون، ولا يَكْتَوون، وعلى ربِّهم يتوَكَّلون)) [2019] أخرجه مسلم (218). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (قَولُه: "ولا يتطَيَّرون"... واشتقاقُه من الطَّيرِ، كتطَيُّرِهم من الغُرابِ رؤيةً وصَوتًا، ثمَّ استمَرَّ ذلك في كُلِّ ما يُتطَيَّرُ برؤيتِه وصَوتِه، فالمؤمِنون يُضيفون الكُلَّ إلى تقديرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ولا يَلتَفِتون إلى هذه الأشياءِ؛ ولهذا وصَفَهم فقال: "وعلى ربِّهم يتوَكَّلون"، أي: يعتَمِدون عليه) [2020] ((كشف المشكل)) (1/482). .
- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ:
1- قال ابنُ عَونٍ عن ابنِ سِيرينَ: (كانوا يَستحبُّونَ الفَألَ، ويَكرَهونَ الطِّيَرةَ) [2021] ((الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار)) لابن عبد البر (9/ 467). .
2- وقال ابنُ بَطَّالٍ: (جَعَل اللهُ في فِطرةِ النَّاسِ محبَّةَ الكَلِمةِ الطَّيِّبةِ والفَألِ الصَّالحِ، والأُنسَ به، كما جَعَل فيهم الارتياحَ للبُشْرى والمَنظَرِ الأنيقِ، وقد يمُرُّ الرَّجُلُ بالماءِ الصَّافي فيُعجِبُه وهو لا يشرَبُه، وبالرَّوضةِ المنثورةِ فتَسُرُّه وهي لا تنفَعُه) [2022] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/437). .
3- وقال الماوَرْديُّ: (ينبغي لِمَن تفاءَلَ أن يتأوَّلَ الفَألَ بأحسَنِ تأويلاتِه، ولا يجعَلَ لسُوءِ الظَّنِّ على نفسِه سَبيلًا) [2023] ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص: 316). .
4- عن الأصمَعيِّ قال: (سألتُ ابنَ عَونٍ عن الفَألِ، قال: هو أن تكونَ مريضًا فتسمَعَ: يا سالمُ، أو تكونَ طالِبًا فتسمَعَ: يا واجِدُ) [2024] ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 2135)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 235). .
5- وقال الخَطَّابيُّ: (الفَرقُ بَينَ الفَألِ والطِّيَرةِ أنَّ الفَألَ مأخوذٌ من طريقِ حُسنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى، والطِّيَرةُ إنَّما هي من طريقِ الاتِّكالِ على شيءٍ سِواه) [2025] ((غريب الحديث)) (1/ 183)، وينظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (27/506). .

انظر أيضا: