موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


ورَدَت أحاديثُ في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ في ذَمِّ الوَهَنِ، مِنها:
 1 - عن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يوشِكُ الأُمَمُ أن تَداعى عَليكم كما تَداعى الأكَلةُ إلى قَصعَتِها. فقال قائِلٌ: ومِن قِلَّةٍ نَحنُ يومَئِذٍ؟ قال: بل أنتم يومَئِذٍ كثيرٌ، ولكِنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ! وليَنزِعَنَّ اللهُ مِن صُدورِ عَدوِّكم المَهابةَ مِنكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قُلوبِكم الوَهَنَ. فقال قائِلٌ: يا رَسولَ اللهِ، وما الوَهَنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيةُ المَوتِ)) [7325] أخرجه من طرق: أبو داود (4297) واللفظ له، وأحمد (22397). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4297)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4297)، وحسَّن إسنادَه ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (5/106). .
قَولُه: («يوشِكُ الأُمَمُ»، أي: يقرُبُ فِرَقُ الكُفرِ وأُمَمُ الضَّلالةِ. «أن تَداعى عليكم». أي: تَتَداعى، بأن يدعوَ بَعضُهم بَعضًا لمُقاتِلتِكم، وكسرِ شَوكتِكم، وسَلبِ ما مَلكتُموه مِن الدِّيارِ والأموالِ. "كما تَداعى الأكَلةُ"، أي: يقرُبُ أنَّ فِرَقَ الكُفرِ وأُمَمَ الضَّلالةِ... يدعو بَعضُهم بَعضًا إلى الاجتِماعِ لقِتالِكم وكسرِ شَوكتِكم؛ ليَغلِبوا على ما مَلكتُموها مِن الدِّيارِ، كما أنَّ الفِئةَ الآكِلةَ يتَداعى بَعضُهم بَعضًا إلى قَصعَتِهم التي يتَناولونَها مِن غَيرِ مانِعٍ، فيأكُلونَها صَفوًا مِن غَيرِ تَعَبٍ. «ومِن قِلَّةٍ»، أي: أنَّ ذلك التَّداعيَ لأجلِ قِلَّةٍ نَحنُ عَليها يومَئِذٍ؟ «كثيرٌ»، أي: عَدَدًا، وقَليلٌ مَدَدًا. «ولكِنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ» ما يحمِلُه السَّيلُ مِن زَبَدٍ ووسَخٍ، شَبَّههم به لقِلَّةِ شَجاعَتِهم ودَناءةِ قَدرِهم. «وليَنزِعَنَّ»، أي: ليُخرِجَنَّ. «المَهابةَ»، أي: الخَوفَ والرُّعبَ. «وليقِذَفَنَّ»، أي: وليرمِيَنَّ اللهُ. «الوَهَنَ»، أي: الضَّعفَ، وكأنَّه أرادَ بالوَهَنِ ما يوجِبُه؛ ولذلك فسَّره بَحُبِّ الدُّنيا وكراهةِ المَوتِ. «وما الوَهَنُ؟»، أي: ما يوجِبُه وما سَبَبُه؟ قال الطِّيبيُّ رَحِمَه اللهُ: سُؤالٌ عن نَوعِ الوَهَنِ، أو كأنَّه أرادَ: مِن أيِّ وجهٍ يكونُ ذلك الوَهَنُ؟ «قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ المَوتِ»، وهما مُتَلازِمانِ، فكأنَّهما شَيءٌ واحِدٌ، يدعوهم إلى إعطاءِ الدَّنيَّةِ في الدِّينِ مِن العَدوِّ المُبينِ، ونَسألُ اللهَ العافيةَ) [7326] يُنظَر: ((عون المعبود)) (11/273). .
2- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إذا تبايعتُم بالعِينةِ، وأخَذْتُم أذنابَ البقَرِ، ورَضيتُم بالزَّرعِ، وتركتُم الجِهادَ؛ سلَّط اللهُ عليكم ذلًّا لا يَنزِعُه حتى ترجِعوا إلى دينِكم)) [7327] رواه من طرقٍ: أبو داود (3462) واللفظ له، وأحمد (5007) بنحوِه. صحَّحه ابنُ القَطَّان في ((الوهم والإيهام)) (5007)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462)، وحسَّنه لغيره ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (504)، والوادعي بمجموع طرقه في ((صحيح دلائل النبوة)) (559)، وصحَّح إسنادَه الطبري في ((مسند عمر)) (1/108)، وابن تَيميَّةَ في ((بيان الدليل)) (109)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (3/143)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/27). قال الحافظ في ((البلوغ)) (1/172): رواه أبو داودَ من روايةِ نافعٍ عنه، وفي إسنادِه مقالٌ، ولأحمدَ نحوُه من روايةِ عطاءٍ، ورجالُه ثقاتٌ. وصحَّح إسنادَه ابنُ تَيميَّةَ في ((بيان الدليل)) (109)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3462). .
قَولُه: (... «إذا تَبايعتُم بالعِينةِ» أن يبيعَ سِلعةً بثَمَنٍ لأجَلٍ ثُمَّ يشتَريَها مِنه بأقَلَّ مِنه. «وأخَذتُم أذنابَ البَقَرِ» كِنايةً عن الاشتِغالِ بالحَرثِ. «ورَضيتُم بالزَّرعِ»، أي: بكونِه هِمَّتَكم ونَهمَتَكم. «وتَرَكتُم الجِهادَ»، أي: غَزوَ أعداءِ الدِّينِ. «سَلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا». ضَعفًا واستِهانةً. «لا يَنزِعُه عنكم حتَّى تَرجِعوا إلى دينِكم»، أي: إلى الاهتِمامِ بأُمورِ دينِكم، جَعَل ذلك بمَنزِلةِ الرِّدَّةِ والخُروجِ عن الدِّينِ؛ لمَزيدِ الزَّجرِ والتَّهويلِ) [7328] يُنظَر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/84). .
3- وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((المؤمِنُ القَوِيُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُك، واستَعِنْ باللهِ ولا تَعجِزْ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقُلْ: لو أنِّي فعَلْتُ لكان كذا وكذا، ولكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ)) [7329] أخرجه مسلم (2664). .
(قيل: المُرادُ بالمُؤمِنِ القَويِّ: الصَّابرُ على مُخالطةِ النَّاسِ وتَحمُّلِ أذيَّتِهم، وتَعليمِهم الخَيرَ وإرشادِهم إلى الهدى...، وقيل: أرادَ بالمُؤمِنِ القَويِّ الذي قَويَ في إيمانِه وصَلُبَ في إيقانِه بحَيثُ لا يرى الأسبابَ، ووثِقَ بمُسَبِّبِ الأسبابِ، والمُؤمِنُ الضَّعيفُ بخِلافِه، وهو أدنى مَراتِبِ الإيمانِ. وقال النَّوويُّ رَحِمَه اللهُ: القوَّةُ هنا يُرادُ بها عَزيمةُ النَّفسِ في أُمورِ الآخِرةِ، فيكونُ صاحِبُ هذا أكثَرَ إقدامًا على الغَزوِ والجِهادِ، وأسرَعَ خُروجًا وذَهابًا في طَلبِه وأشَدَّ عَزيمةً في الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ والصَّبرِ على الأذى في كُلِّ ذلك، وقَولُه: في كُلٍّ خَيرٌ، مَعناه: في كُلٍّ مِن القَويِّ والضَّعيفِ خَيرٌ لاشتِراكِهما في الإيمانِ، مَعَ ما يأتي به الضَّعيفُ مِن العِباداتِ) [7330] ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (8/ 3318). ويُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 215). .

انظر أيضا: