موسوعة الأخلاق والسلوك

صُوَرُ الِخسَّةِ والدَّناءةِ


1- التَّعالي والتَّسَلُّطُ على مَن لا يُمكِنُه المُعارَضةُ:
قال ابنُ حَزمٍ: (واعلَمْ أنَّ التَّعَسُّفَ وسوءَ المَلَكةِ لمَن مَلَّكك اللهُ أمرَهم مِن رَعيَّةٍ إنَّما يدُلَّانِ على خَساسةِ النَّفسِ، ودَناءةِ الهمَّةِ، وضَعفِ العَقلِ؛ لأنَّ العاقِلَ الرَّفيعَ النَّفسِ، العاليَ الهمَّةِ إنَّما يَغلِبُ أكفاءَه في القوَّةِ، ونُظَراءَه في المَنَعةِ.
وأمَّا الاستِطالةُ على مَن لا يُمكِنُه المُعارَضةُ فسُقوطٌ في الطَّبعِ، ورَذالةٌ في النَّفسِ والخُلُقِ، وعَجزٌ ومَهانةٌ.
ومَن فَعَل ذلك فهو بمَنزِلةِ مَن يتَبَجَّحُ بقَتلِ جُرَذٍ، أو بقَتلِ بُرغوثٍ، أو بفَركِ قَملةٍ، وحَسْبُك بهذا ضَعةً وخَساسةً!) [6457] ((الأخلاق والسير في مداواة النفوس)) (ص: 74). .
2- المَهانةُ والذُّلُّ:
فالمَهانةُ والذُّلُّ دَليلُ الدَّناءةِ والخِسَّةِ، وكذلك بَذلُ النَّفسِ أوِ ابتِذالُها في نَيلِ حُظوظِها وشَهَواتِها، كتَواضُعِ السُّفلِ في نَيلِ شَهَواتِهم، وتَواضُعِ طالبِ كُلِّ حَظٍّ لمَن يرجو نَيلَ حَظِّه مِنه، فهذا كُلُّه ضَعةٌ لا تَواضُعٌ، واللهُ سُبحانَه يُحِبُّ التَّواضُعَ ويُبغِضُ الضَّعةَ والمَهانةَ، وكذلك ظُهورُ التَّسَوُّلِ، وهو مورِثٌ للذُّلِّ والهَوانِ في الدُّنيا والآخِرةِ، دَليلٌ على دَناءةِ النَّفسِ وحَقارَتِها [6458] ينظر: ((موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)) (4/ 1256)، (9/ 4173). .
3- التَّعاوُن على الإثمِ والعُدوانِ:
وهذه ظاهِرةٌ تَقلِبُ نِظامَ المُجتَمَعِ، وتُساعِدُ على فسادِ الذِّمَمِ، وتَفتَحُ أبوابَ الشَّرِّ، وتَطمِسُ مَعالمَ الحَقِّ ليرتَعَ الباطِلُ، وتُنبئُ عن خِسَّةِ صاحِبِها ودَناءةِ نَفسِه [6459] ((موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)) (9/ 4207). .
4- أكلُ المَرءِ بدينِه:
(سُئِلَ ابنُ المُبارَكِ: مَنِ النَّاسُ؟ قال: العُلَماءُ. قال: مَنِ المُلوكُ؟ قال: الزُّهَّادُ، قال: فمَنِ السَّفِلةُ؟ قال: الذي يأكُلُ بدينِه) [6460] ينظر: ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 167)، ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 206)، ((تاريخ بغداد))للخطيب (8/ 88). .
5- إظهارُ المُغالَبةِ بغَيرِ حَقٍّ وعَدَمُ الاعتِرافِ بالخَطَأِ إذا ظَهَرَ:
قال ابنُ حَزمٍ: (ناظَرتُ رَجُلًا مِن أصحابِنا في مَسألةٍ فعَلَوتُه فيها لبُكوءٍ كان في لسانِه، وانفصَلَ المَجلسُ على أنِّي ظاهرٌ، فلمَّا أتَيتُ مَنزِلي حاكَ في نَفسي منها شَيءٌ، فتَطَلَّبتُها في بَعضِ الكُتُبِ فوجَدتُ بُرهانًا صَحيحًا يُبَيِّنُ بُطلانَ قَولي وصِحَّةَ قَولِ خَصمي، وكان معي أحَدُ أصحابِنا مِمَّن شَهِدَ ذلك المَجلِسَ فعَرَّفتُه بذلك، ثُمَّ رَآني قد عَلَّمتُ على المَكانِ مِنَ الكِتابِ، فقال لي: ما تُريدُ؟ فقُلتُ: أُريدُ حَملَ هذا الكِتابِ وعَرْضَه على فُلانٍ وإعلامَه بأنَّه المُحِقُّ وأنِّي كُنتُ المُبطِلَ وأنِّي راجِعٌ إلى قَولِه! فهَجَمَ عليه مِن ذلك أمرٌ مُبهِتٌ، وقال لي: وتَسمَحُ نَفسُك بهذا؟! فقُلتُ له: نَعَم، ولو أمكنَني ذلك في وقتي هذا لما أخَّرتُه إلى غَدٍ!
واعلَمْ أنَّ مِثلَ هذا الفِعلِ يَكسِبُك أجمَلَ الذِّكرِ مَعَ تَحَلِّيك بالإنصافِ الذي لا شَيءَ يَعدِلُه. ولا يكُنْ غَرَضَك أن تُوهِمَ نَفسَك أنَّك غالبٌ، أو تُوهِمَ مَن حَضَرَك مِمَّن يغتَرُّ بك ويثِقُ بحُكمِك أنَّك غالِبٌ، وأنتَ بالحَقيقةِ مَغلوبٌ؛ فتَكونَ خَسيسًا وضيعًا جِدًّا وسَخيفًا البَتَّةَ وساقِطَ الهمَّةِ، وبمَنزِلةِ مَن يوهِمُ نَفسَه أنَّه مَلِكٌ مُطاعٌ وهو شَقيٌّ مَنحوسٌ!) [6461] ((رسائل ابن حزم)) (4/ 337، 338). .
6- المُسارَعةُ إلى حُضورِ الولائِمِ وإن كانت غَيرَ شَرعيَّةٍ:
قال ابنُ عَقيلٍ: (ويُكرَهُ لأهلِ المروءاتِ والفَضائِلِ التَّسَرُّعُ إلى إجابةِ الطَّعامِ والتَّسامُحُ، وحُضورُ الولائِمِ غَيرِ الشَّرعيَّةِ؛ فإنَّه يورِثُ دَناءةً وإسقاطَ الهَيبةِ مِن صُدورِ النَّاسِ) [6462] ((فصول الآداب ومكارم الأخلاق المشروعة)) (ص: 52) .
وقال الجيلانيُّ: (يُكرَهُ لأهلِ الفَضلِ والعِلمِ في الجُملةِ التَّسَرُّعُ إلى إجابةِ الطَّعامِ والتَّسامُحُ بذلك؛ لِما فيه مِنَ الذِّلَّةِ والدَّناءةِ والشَّرَهِ، لا سيَّما إذا كان حاكِمًا، وقيلَ: ما وضَعَ أحَدٌ يَدَه في قَصعةِ أحَدٍ إلَّا ذَلَّ) [6463] ((الغنية لطالبي طريق الحق)) (1/ 56). .
7- انتِظارُ المُقارَضةِ على الإحسانِ والمَعروفِ:
قال أبو الوليدِ الباجِيُّ يوصي ولَدَيه: (ومَن أسدى منكما إلى أخيه معروفًا أو مكارَمةً أو مُواصَلةً، فلا ينتَظِرْ مُقارَضةً عليها، ولا يَذكُرْ ما أتى منها؛ فإنَّ ذلك ممَّا يوجِبُ الضَّغائنَ، ويُسَبِّبُ التَّباغُضَ، ويُقَبِّحُ المعروفَ، ويحَقِّرُ الكبيرَ، ويدُلُّ على المقتِ والضَّعةِ ودناءةِ الهِمَّةِ) [6464] ((النصيحة الولدية)) (ص: 26). .
وقال لهما أيضًا: (وإيَّاكما أن تُحَدِّثا أنفُسَكما أن تَنتَظِرا مُقارَضةً مِمَّن أحسَنتُما إليه، وأنعَمتُما عليه؛ فإنَّ انتِظارَ المُقارَضةِ تَمسَحُ الصَّنيعةَ، وتُعيدُ الأفعالَ الرَّفيعةَ وَضيعةً، وتَقلِبُ الشُّكرَ ذَمًّا، والحَمدَ مَقتًا) [6465] ((النصيحة الولدية)) (ص: 29). .
8- الطَّمَعُ والإقبالُ على الأغنياءِ والإعراضُ عنِ الفُقَراءِ:
قال عُبَيدُ اللهِ بنُ زيادٍ: (إيَّاكم والطَّمَعَ؛ فإنَّه دَناءةٌ) [6466] ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان(9/ 71، 72). .
وقال بَعضُ السَّلَفِ: (... مِنَ الدَّناءةِ: إقبالُك على السَّفِلةِ مِن أجلِ غِناه، وإعراضُك عنِ الشَّريفِ مِن أجلِ فَقْرِه) [6467] ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان (9/ 146). .

انظر أيضا: