موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: مَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ


- قال الغَزاليُّ: (يحتاجُ المُطيعُ إلى الصَّبرِ على طاعَتِه في ثَلاثِ أحوالٍ: الأولى: قَبل الطَّاعةِ، وذلك في تَصحيحِ النِّيَّة، والإخلاصِ والصَّبرِ عن شَوائِب الرِّياءِ ودَواعي الآفاتِ، وعَقدِ العَزمِ على الإخلاصِ والوفاءِ... الحالةُ الثَّانيةُ: حالةُ العَمَلِ؛ كي لا يَغفُلَ عن اللهِ في أثناءِ عَمَلِه، ولا يتَكاسَلَ عن تَحقيقِ آدابِه وسُنَنِه، ويدومَ على شَرطِ الأدَبِ إلى آخِرِ العَمَلِ الأخيرِ، فيلازِمَ الصَّبرَ عن دَواعي الفُتورِ إلى الفراغِ...
الحالةُ الثَّالثةُ: بَعدَ الفراغِ مِن العَمَلِ؛ إذ يحتاجُ إلى الصَّبرِ عن إفشائِه والتَّظاهُرِ به للسُّمعةِ والرِّياءِ، والصَّبرِ عن النَّظَرِ إليه بعَينِ العُجبِ، وعن كُلِّ ما يُبطِلُ عَمَلَه ويُحبِطُ أثَرَه) [6295] ((إحياء علوم الدين)) (4/ 70). .
- عن شَقيقِ بنِ عَبدِ اللهِ قال: (مَرِض عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ فعُدْناه، فجَعَل يبكي فعوتِبَ، فقال: إنِّي لا أبكي لأجْلِ المَرَضِ... وإنَّما أبكي أنَّه أصابَني على حالِ فترةٍ، ولم يُصِبْني في حالِ اجتِهادٍ؛ لأنَّه يُكتَبُ للعَبدِ مِن الأجرِ إذا مَرِضَ ما كان يُكتَبُ له قَبلَ أن يمرَضَ فمَنعَه منه المَرَضُ) [6296] ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 586). .
- قال ابنُ القَيِّمِ: (إن قُلتَ: كُلُّ مُجِدٍّ في طَلبِ شَيءٍ لا بُدَّ أن يَعرِضَ له وَقفةٌ وفُتورٌ، ثُمَّ ينهَضُ إلى طَلَبِه. قُلتُ: لا بُدَّ مِن ذلك، ولكِنَّ صاحِبَ الوقفةِ له حالانِ: إمَّا أن يقِف ليُجِمَّ نَفسَه، ويَعُدَّها للسَّيرِ، فهذا وقَفتُه سَيرٌ، ولا تَضُرُّه الوَقفةُ، فإنَّ لكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، ولكُلِّ شِرَّةٍ فَترةً. وإمَّا أن يقِفَ لداعٍ دَعاه مِن ورائِه، وجاذِبٍ جَذبَه مِن خَلفِه، فإن أجابَه أخَّرَه ولا بُدَّ، فإن تَداركَه اللهُ برَحمَتِه، وأطلعَه على سَبقِ الرَّكْبِ له وعلى تَأخُّرِه نَهَضَ نَهضةَ الغَضبانِ الآسِفِ على الانقِطاعِ، ووثَبَ وجَمَز واشتَدَّ سَعيًا ليَلحَقَ الرَّكبَ، وإن استَمَرَّ مَعَ داعي التَّأخُّرِ، وأصغى إليه، لم يَرْضَ برَدِّه إلى حالتِه الأولى مِن الغَفلةِ، وإجابةِ داعي الهَوى، حتَّى يرُدَّه إلى أسوَأَ مِنها وأنزَل دَرَكًا، وهو بمَنزِلةِ النَّكسةِ الشَّديدةِ عَقيبَ الإبلالِ مِن المَرَضِ؛ فإنَّها أخطَرُ منه وأصعَبُ. وبالجُملةِ فإن تَدارَك اللهُ سُبحانَه وتعالى هذا العَبدَ بجَذبةٍ منه من يدِ عَدوِّه وتَخليصِه، وإلَّا فهو في تَأخُّرٍ إلى المَماتِ، راجِعٌ القَهقَرى، ناكِصٌ على عَقِبَيه، أو مُوَلٍّ ظَهرَه، ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، والمَعصومُ من عَصَمَه اللهُ) [6297] ((مدارج السالكين)) (1/ 278، 279). .
وقال أيضًا: (تَخَلُّلُ الفتَراتِ للسَّالكينَ أمرٌ لا بُدَّ منه؛ فمَن كانت فترَتُه إلى مُقارَبةٍ وتَسديدٍ ولم تُخرِجْه مِن فَرضٍ، ولم تُدخِلْه في مُحَرَّمٍ؛ رُجيَ له أن يعودَ خَيرًا مِمَّا كان) [6298] ((مدارج السالكين)) (3/122). .

انظر أيضا: