موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ الفُحْشِ في الكَلامِ


من صُوَرِ الفُحْشِ في الكلامِ:
1- السَّبُّ والشَّتمُ وقَولُ الخنا، كما في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لم يكُنِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاحِشًا ولا متفَحِّشًا...)) [5824] رواه البخاري (3559)، ومسلم (2321). .
2- التَّعدِّي في القولِ والجوابِ، كما في حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ يهودَ أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: السَّامُ عليكم. فقالت عائشةُ: عليكم، ولعنكم اللهُ وغَضِب اللهُ عليكم. قال: مهلًا يا عائشةُ، عليكِ بالرِّفْقِ وإيَّاكِ والعُنفَ والفُحشَ. قالت: أوَ لم تسمَعْ ما قالوا؟ قال: أو لم تسمَعي ما قُلتُ؟ ردَدْتُ عليهم فيُستجابُ لي فيهم ولا يُستجابُ لهم فيَّ)) [5825] رواه البخاري (6030) واللفظ له، ومسلم (2165). .
وقال الماوَرْديُّ: (وما قَدَح في الأعراضِ من الكَلامِ نَوعانِ: أحَدُهُما: ما قَدَحَ في عِرضِ صاحِبِه ولم يَتَجاوزْه إلى غَيرِه، وذلك شَيئانِ: الكَذِبُ وفُحشُ القَولِ. والثَّاني: ما تَجاوزَه إلى غَيرِه، وذلك أربعةُ أشياءَ: الغِيبةُ والنَّميمةُ والسِّعايةُ والسَّبُّ بقَذفٍ أو شَتمٍ. ورُبَّما كان السَّبُّ أنكاها للقُلوبِ، وأبلَغَها أثَرًا في النُّفوسِ. ولذلك زَجَر اللَّهُ عنه بالحَدِّ تَغليظًا، وبالتَّفسيقِ تَشديدًا وتَصعيبًا. وقد يكونُ ذلك لأحَدِ شَيئَينِ: إمَّا انتِقامٌ يَصدُرُ عن سَفهٍ، أو بَذاءٌ يَحدُثُ عن لُؤمٍ... وقال ابنُ المقَفَّعِ: الاستِطالةُ لسانُ الجُهَّالِ، وكَفُّ النَّفسِ عن هذه الحالِ بما يَصُدُّها من الزَّواجِرِ أسلَمُ، وهو بذَوي المروءةِ أجمَلُ) [5826] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 323). .
3- التَّعبيرُ عن الأمورِ المُستقبَحةِ بعبارةٍ صريحةٍ:
بَعضُ النَّاسِ يستَخدِمُ عِباراتٍ يَقبُحُ استِخدامُها، حتَّى لو كانت هذه العِباراتُ مُطابِقةً للواقِعِ ينبغي تَجَنُّبُها، وعليه أن يَستَعمِلَ الكِنايةَ، وألَّا يُصَرِّحَ به، ويُعَبِّرَ عنه بكَلامٍ يُفهَمُ منه المقصودُ؛ قال النَّوويُّ: (قال العُلماءُ: فينبغي أن يَستَعمِلَ في هذا وما أشبَهَه من العِباراتِ التي يُستَحيَا من ذِكرِها بصَريحِ اسمِها الكَناياتِ المفهِمةَ، فيُكنِّيَ عن جِماعِ المرأةِ بالإفضاءِ، والدُّخولِ، والمعاشَرةِ، والوِقاعِ، ونَحوِها... وكذلك يُكَنِّي عن البَولِ والتَّغَوُّطِ بقَضاءِ الحاجةِ، والذَّهابِ إلى الخَلاءِ، ولا يُصَرِّحُ بالخِراءةِ والبَولِ ونَحوِهما، وكذلك ذِكرُ العُيوبِ؛ كالبَرَصِ، والبَخَرِ، والصُّنانِ، وغَيرِها، يُعَبِّرُ عنها بعِباراتٍ جَميلةٍ يُفهَمُ منها الغَرَضُ، ويُلحَقُ بما ذَكَرناه من الأمثِلةِ ما سِواه. واعلَمْ أنَّ هذا كُلَّه إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى التَّصريحِ بصَريحِ اسمِه، فإن دَعَت حاجةٌ لغَرَضِ البَيانِ والتَّعليمِ، وخِيفَ أنَّ المخاطَبَ لا يَفهَمُ المجازَ، أو يَفهَمُ غَيرَ المرادِ، صَرَّحَ حينَئِذٍ باسمِه الصَّريحِ؛ ليَحصُلَ الإفهامُ الحَقيقيُّ، وعلى هذا يُحمَلُ ما جاءَ في الأحاديثِ من التَّصريحِ بمِثل هذا؛ فإنَّ ذلك مَحمولٌ على الحاجةِ كما ذَكَرْنا، فإنَّ تَحصيلَ الإفهامِ في هذا أَولى من مُراعاةِ مُجَرَّدِ الأدَبِ) [5827] ((الأذكار)) للنووي (ص: 376). .
وقال الغَزاليُّ: (فإنَّ لأهلِ الفسادِ عِباراتٍ صريحةً فاحِشةً يَستَعمِلونَها فيه، وأهلُ الصَّلاحِ يَتَحاشَونَ عنها بل يُكنُّونَ عنها، ويَدلُّونَ عليها بالرُّموزِ، فيَذكُرونَ ما يُقَرِّبُها ويتَعلَّقُ بها، وقال ابنُ عَبَّاسٍ: إنَّ اللَّهَ حَييٌّ كَريمٌ يعفو ويَكنو، كَنى باللَّمسِ عن الجِماعِ، فالمَسيسُ واللَّمسُ والدُّخولُ والصُّحبةُ كَناياتٌ عن الوِقاعِ، وليست بفاحِشةٍ، وهُناك عِباراتٌ فاحِشةٌ يُستَقبَحُ ذِكرُها ويُستَعمَلُ أكثَرُها في الشَّتمِ والتَّعييرِ، وهذه العِباراتُ مُتفاوِتةٌ في الفُحشِ، وبعضُها أفحَشُ من بَعضٍ، ورُبَّما اختَلَف ذلك بعادةِ البِلادِ، وأوائِلُها مَكروهةٌ وأواخِرُها مَحظورةٌ، وبَينَهما دَرَجاتٌ يُتردَّدُ فيها، وليس يَختَصُّ هذا بالوِقاعِ، بل بالكِنايةِ بقَضاءِ الحاجةِ عن البَول والغائِطِ أَولَى من لَفظِ التَّغَوُّطِ والخِراءِ وغَيرِهما؛ فإنَّ هذا أيضًا ممَّا يخفى، وكُلُّ ما يُخفى يُستَحيا منه، فلا ينبغي أن يَذكُرَ ألفاظَه الصَّريحةَ فإنَّه فُحشٌ، وكذلك يُستَحسَنُ في العادةِ الكِنايةُ عن النِّساءِ، فلا يُقالُ: قالت زَوجَتُك كذا، بل يُقالُ: قيلَ في الحُجرةِ، أو مِن وراءِ السِّترِ، أو قالت أُمُّ الأولادِ، فالتَّلَطَّفُ في هذه الألفاظِ مَحمودٌ، والتَّصريحُ فيها يُفضي إلى الفُحشِ، وكذلك مَن به عُيوبٌ يُستَحيا منها، فلا ينبغي أن يُعَبَّرَ عنها بصَريحِ لَفظِها، كالبَرَصِ، والقَرَعِ، والبَواسيرِ، بل يُقالُ: العارِضُ الذي يَشكوه، وما يَجري مَجراه، فالتَّصريحُ بذلك داخِلٌ في الفُحشِ، وجَميعُ ذلك من آفاتِ اللِّسانِ) [5828] ((إحياء علوم الدين)) (3/122). .
4- قال الماوَرْديُّ: (وممَّا يجري مَجرى فُحش القَولِ وهُجرِه في وُجوبِ اجتِنابِه، ولُزومِ تَنَكُّبه: ما كان شَنيعَ البَديهةِ، مُستَنكَرَ الظَّاهِرِ، وإن كان عَقِبَ التَّأمُّلِ سَليمًا، وبَعدَ الكَشفِ والرَّويَّةِ مُستَقيمًا) [5829] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 284). .

انظر أيضا: