موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((أتدرون ما الغِيبةُ؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: ذِكْرُك أخاك بما يَكرَهُ، قيل: أفرأَيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغتَبْتَه، وإنْ لم يكُنْ فيه فقد بهَتَّه)) [5580] رواه مسلم (2589). .
قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الذِّكرَ باللِّسانِ إنَّما حُرِّم لأنَّ فيه تفهيمَ الغَيرِ نُقصانَ أخيك، وتعريفَه بما يَكرَهُه؛ فالتَّعريضُ به كالتَّصريحِ، والفِعلُ فيه كالقَولِ، والإشارةُ والإيماءُ والغَمزُ والهَمزُ والكتابةُ والحَرَكةُ وكُلُّ ما يُفهِمُ المقصودَ: فهو داخِلٌ في الغِيبةِ، وهو حرامٌ) [5581] ((إحياء علوم الدين)) (3/144). .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قبرَينِ، فقال: إنَّهما ليُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كبيرٍ! ثمَّ قال: بلى، أمَّا أحَدُهما فكان يسعى بالنَّميمةِ، وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستَتِرُ مِن بَولِه، قال: ثمَّ أخذ عودًا رَطْبًا، فكَسَره باثنتَينِ، ثمَّ غَرَز كُلَّ واحدٍ منهما على قَبرٍ، ثمَّ قال: لعَلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما لم يَيْبَسا)) [5582] رواه البخاري (1378) واللفظ له، ومسلم (292). .
وهذا الحديثُ وإن كان في النَّميمةِ لكِنَّ الغِيبةَ مِن لوازمِها؛ لأنَّ الذي ينُمُّ ينقُلُ كلامَ الرَّجُلِ الذي اغتابه، ويُقالُ: الغِيبةُ والنَّميمةُ أختانِ، ومَن نَمَّ عن أحَدٍ فقد اغتابه، وقد وقَع في بعضِ طرُقِ هذا الحديثِ بلَفظِ الغِيبةِ [5583] ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (8/208). قال العراقيُّ عن ذِكرِ الغيبةِ في الحديثِ: (أخرجه ابنُ أبي الدُّنيا في الصَّمتِ، وأبو العبَّاسِ الدغوليُّ في كتابِ الآدابِ بإسنادٍ جَيٍّدٍ، وهو في الصَّحيحَينِ من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، إلَّا أنَّه ذَكَر فيه النَّميمةَ بدَلَ الغِيبةِ، وللطَّيالسيِّ فيه: أمَّا أحَدُهما فكان يأكُلُ لحومَ النَّاسِ، ولأحمَدَ والطَّبرانيِّ من حديثِ ابنِ بكرةَ نحوُه بإسنادٍ جَيِّدٍ). ((المغني عن حمل الأسفار)) (3/ 142). .
- وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حَسْبُك من صَفيَّةَ كذا وكذا! فقال: لقد قُلتِ كَلِمةً لو مُزِجَت بماءِ البَحرِ لمزجَتْه!)) [5584] رواه أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502)، وأحمد (25560). صحَّحه الترمذي، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (118)، والشوكاني في ((الفتح الرباني)) (11/5593)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4875)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند)) (1615).  .
قال النَّوويُّ: (هذا الحديثُ من أعظَمِ الزَّواجِرِ عن الغِيبةِ أو أعظَمُها، وما أعلَمُ شيئًا من الأحاديثِ يَبلُغُ في الذَّمِّ لها هذا المبلَغَ!) [5585] ((الأذكار)) (ص: 338). .
(فإذا كانت هذه الكَلِمةُ بهذه المثابةِ في مَزجِ البَحرِ الذي هو من أعظَمِ المخلوقاتِ، فما بالُك بغِيبةٍ أقوى منها!) [5586] ((دليل الفالحين)) لابن علان (8/352). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (معنى مزجَتْه: خالطَتْه مخالطةً يتغَيَّرُ بها طَعمُه أو ريحُه؛ لشِدَّةِ نَتْنِها وقُبحِها، وهذا من أبلَغِ الزَّواجِرِ عن الغِيبةِ) [5587] ((شرح رياض الصالحين)) (6/126). .
- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى: ((أتدْرونَ أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ. قال: فإنَّ هذا يومٌ حرامٌ. أفتدْرونَ أيُّ بَلَدٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: بَلَدٌ حرامٌ. أتدْرونَ أيُّ شَهرٍ هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ. قال: شَهرٌ حرامٌ. قال: فإنَّ اللهَ حَرَّم عليكم دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم كحُرمةِ يَومِكم هذا في شَهرِكم هذا في بَلَدِكم هذا)) [5588] أخرجه البخاري (6043). وأخرجه أيضًا (1739) من حديثِ ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
وعن أبي بَكرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم بَيْنَكم حرامٌ كحُرمةِ يَومِكم هذا في شَهرِكم هذا في بَلَدِكم هذا، لِيُبلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ؛ فإنَّ الشَّاهِدَ عسى أن يُبَلِّغَ مَن هو أوعى له منه)) [5589] أخرجه البخاري (67) واللفظ له، ومسلم (1679). .
قال النَّوَويُّ: (المرادُ بذلك كُلِّه بيانُ توكيدِ غِلَظِ تحريمِ الأموالِ والدِّماءِ والأعراضِ، والتَّحذيرُ من ذلك) [5590] ((شرح النووي على مسلم)) (11/169). .
- وعن أبي بَرْزةَ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا مَعشَرَ مَن آمَنَ بلِسانِه، ولم يدخُلِ الإيمانُ قَلبَه، لا تغتابوا المُسلِمين، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم؛ فإنَّه من اتَّبع عوراتِهم يَتَّبعِ اللهُ عورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضَحْه في بيتِه)) [5591] رواه أبو داود (4880) واللفظ له، وأحمد (19776). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4880)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4880)، وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/250). .
- وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لمَّا عُرِج بي مرَرْتُ بقَومٍ لهم أظفارٌ مِن نُحاسٍ يَخمُشون بها وُجوهَهم وصُدورَهم، فقُلتُ: مَن هؤلاء يا جِبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكُلون لُحومَ النَّاسِ، ويَقَعون في أعراضِهم)) [5592] أخرجه أبو داود (4878)، وأحمد (13340). صحَّحه ابن باز في ((مجموع فتاويه)) (9/239)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/ 70): (صحيح على شرط مسلم). وقال شعيب في تخريج ((مسند أحمد)) (21/ 53): إسنادُه صحيحٌ على شَرطِ مسلمٍ. .

انظر أيضا: