موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالثا: آثارُ الشَّماتةِ


1- الشَّماتةُ بالتَّعييرِ بالذَّنبِ أعظَمُ من مُرتَكِبِ الذَّنبِ:
يقولُ ابنُ القَيِّمِ: (إنَّ تعييرَك لأخيك بذنبِه أعظَمُ إثمًا من ذنبِه، وأشَدُّ من معصيتِه؛ لِما فيه من صولةِ الطَّاعةِ، وتزكيةِ النَّفسِ وشُكرِها، والمناداةِ عليها بالبراءةِ من الذَّنبِ، وأنَّ أخاك باء به، ولعَلَّ كسْرَتَه بذنبِه، وما أحدَثَ له من الذِّلَّةِ والخُضوعِ والإزراءِ على نفسِه، والتَّخلُّصِ من مَرَضِ الدَّعوى والكِبرِ والعُجبِ، ووقوفِه بَيْنَ يدَيِ اللَّهِ ناكِسَ الرَّأسِ، خاشِعَ الطَّرْفِ، مُنكَسِرَ القَلبِ: أنفَعُ له وخيرٌ من صولةِ طاعتِك، وتكَثُّرِك بها، والاعتدادِ بها، والمنَّةِ على اللَّهِ وخَلقِه بها، فما أقرَبَ هذا العاصيَ من رحمةِ اللَّهِ! وما أقرَبَ هذا المُدِلَّ من مَقتِ اللَّهِ! فذَنبٌ تَذِلُّ به لديه أحَبُّ إليه من طاعةٍ تَدِلُّ بها عليه، وإنَّك أن تبيتَ نائمًا وتصبِحَ نادِمًا خيرٌ من أن تبيتَ قائمًا وتُصبِحَ مُعجَبًا؛ فإنَّ المُعجَبَ لا يصعَدُ له عَمَلٌ، وإنَّك إن تَضحَكْ وأنت معتَرِفٌ خيرٌ من أن تبكيَ وأنت مُدِلٌّ، وأنينُ المذنبين أحبُّ إلى اللَّهِ من زَجَلِ المُسَبِّحين المُدِلِّين، ولعَلَّ اللَّهَ أسقاه بهذا الذَّنبِ دواءً استخرج به داءً قاتِلًا هو فيك ولا تشعُرُ! فلِلَّه في أهلِ طاعتِه ومعصيتِه أسرارٌ لا يعلَمُها إلَّا هو، ولا يطالِعُها إلَّا أهلُ البصائِرِ، فيَعرِفون منها بقَدرِ ما تنالُه معارفُ البَشَرِ) [4328] ((مدارج السالكين)) (1/177). .
2- الشَّامتُ قد تنعَكِسُ المصيبةُ عليه:
وكان يقالُ: (لا تُظهِرِ الشَّماتةَ بأخيك فيُعافيَه اللَّهُ ويبتليَك. لا تُشمِتْ بمن حَلَّ به بلاءٌ؛ فإنَّه إن عوفيَ كان مِثلَك، وأنت إن ابتُليتَ كنتَ مِثلَه) [4329] ((التمثيل والمحاضرة)) للثعالبي (ص: 433). .
وقال آخَرُ: (عِبتُ شَخصًا قد ذهَب بعضُ أسنانِه، فذهَبَت أسناني، ونظَرتُ إلى امرأةٍ لا تحِلُّ لي، فنَظَر زوجتي مَن لا أريدُ) [4330] ((الآداب الشرعية)) لابن مُفلِح (1/341). . وقال ابنُ سِيرينَ: (عَيَّرتُ رَجُلًا بالإفلاسِ، فأفلَسْتُ) [4331] ((الآداب الشرعية)) لابن مُفلِح (1/341). .
وقال إبراهيمُ النَّخَعيُّ: (إنِّي لأرى الشَّيءَ أكرَهُه، فما يمنعني أن أتكَلَّمَ فيه إلَّا مخافةُ أن أُبتلى بمِثلِه) [4332] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (6353) (9/ 118). .
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (ما نزَلَت بي آفةٌ أو غَمٌّ أو ضِيقُ صَدرٍ إلَّا بزَلَلٍ أعرِفُه، حتَّى يمكِنَني أن أقولَ: هذا بالشَّيءِ الفُلانيِّ! وربَّما تأوَّلتُ فيه بَعدُ، فأرى العقوبةَ؛ فينبغي للإنسانِ أن يترقَّبَ جزاءَ الذُّنوبِ، فقَلَّ أن يَسلَمَ منه، وليَجتَهِدْ في التَّوبةِ) [4333] ((صيد الخاطر)) (ص: 473). .
فالشَّماتةُ على المصيبةِ مذمومةٌ؛ لكونِها سَبَبًا لانعكاسِ المصيبةِ على الشَّامِتِ بابتلائِه بها، وعافيةِ مَن شَمِتَ عليه، أو لأنَّه ارتكابُ المنهيِّ عنه، خُصوصًا إذا حَمَل تلك المصيبةَ على كرامةِ نفسِه، يعني: يقولُ: إنَّ مصيبةَ عَدُوِّي إنَّما هي من كرامتي، أو إذا حمَلَها على إجابةِ دعائِه، كأن يقولَ: ما ابتُلِيَ به عدوِّي من هذه المصيبةِ إنَّما هو بإجابةِ دَعوتي عليه؛ لأنَّه حينئذٍ عُجبٌ وتزكيةُ نفسٍ وغرورٌ [4334] يُنظَر: ((بريقة محمودية)) (3/378). .
 3- الشَّماتةُ لها تأثيرٌ سَلبيٌّ على الفَردِ والمجتَمَعِ؛ تُرَبِّي الحقدَ والحسَدَ والعداوةَ. وهذا أمرٌ معلومٌ مشهودٌ.
4- الشَّماتةُ تؤَدِّي إلى قساوةِ القَلبِ.
5- من أسبابِ تفَكُّكِ المجتَمَعاتِ.
6- تؤدِّي إلى سَخَطِ اللَّهِ تعالى على العَبدِ.

انظر أيضا: