موسوعة الأخلاق والسلوك

ثامنًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ الشَّراهةِ


ويُمكِنُ التَّخلُّصُ مِن هذه الصِّفةِ بـ:
1- الاستِعانةِ باللهِ تعالى.
2- معرفةِ أنَّ الشَّرَهَ سببٌ مِن أسبابِ الوُقوعِ في الموبِقاتِ؛ قال أبو حيَّانَ في قولِه تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: 58] : (وإنَّما لمَزوا الرَّسولَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لشَرهِهم في تحصيلِ الدُّنيا ومحبَّةِ المالِ) [4256] ((البحر المحيط)) لأبي حيان (5/ 439). .
3- إذا عرَف أنَّ الشَّرَهَ مِن صِفةِ الكلبِ، وهو مِن أوضَعِ الحَيَواناتِ قَدْرًا؛ قال ابنُ القيِّمِ عنه: (هو مِن أخبَثِ الحَيَواناتِ، وأوضَعِها قَدرًا، وأخَسِّها نَفسًا، وهِمَّتُه لا تتعدَّى بَطنَه، وأشَدِّها شَرَهًا وحِرصًا، ومِن حِرصِه أنَّه لا يمشي إلَّا وخَطْمُه في الأرضِ يتشمَّمُ ويستروِحُ حِرصًا وشَرَهًا...، وإذا رمَيتَ إليه بحَجرٍ رجَع إليه ليعَضَّه مِن فَرطِ نَهْمتِه...، والجِيَفُ القَذِرةُ المُروِحةُ أحَبُّ إليه مِن اللَّحمِ الطَّرِيِّ، وإذا ظَفِر بمَيتةٍ تكفي مائةَ كلبٍ لم يدَعْ كلبًا واحِدًا يتناوَلُ منها شيئًا إلَّا هَرَّ عليه وقهَره لحِرصِه وبُخلِه وشَرهِه، ومِن عجيبِ أمرِه وحِرصِه أنَّه إذا رأى ذا هيئةٍ رثَّةٍ وثيابٍ دنيَّةٍ وحالٍ رزِيَّةٍ نبَحه وحمَل عليه، كأنَّه يتصوَّرُ مُشارَكتَه له ومُنازَعتَه في قُوتِه!) [4257] ((إعلام الموقعين)) (1/ 127، 128). .
قيل:
يغدو على أضيافِه مُستَطعِمًا
كالكَلْبِ يأكُلُ في بُيوتِ النَّاسِ [4258] ((كتاب بغداد)) لابن طيفور (ص: 124). .
4- الإشفاقُ مِن ضَررِها على القلبِ والبَدنِ؛ قال ابنُ حبَّانَ: (فالقانِعُ الكريمُ أراح قَلبَه وبَدنَه، والشَّرِهُ اللَّئيمُ أتعَب قَلبَه وجِسمَه) [4259] ((روضة العقلاء)) (ص: 152). .
5- الصَّومُ؛ فالصَّومُ يُذهِبُ الشَّرَهِ [4260] ((التفسير البسيط)) للواحدي (2/ 457). .
6- التَّشبُّهُ بالسَّلفِ في التَّقلُّلِ مِن المَطعَمِ ونَحوِ ذلك مِن أمورِ الدُّنيا؛ قال ابنُ بطَّالٍ: (ينبغي للمُؤمِنِ العاقِلِ الفَهِمِ عن اللهِ تعالى وعن رسولِه أن يتشبَّهَ بالسَّلفِ الصَّالِحِ في أخْذِ الدُّنيا، ولا يتشبَّهَ بالبهائِمِ التي لا تعقِلُ) [4261] ((شرح البخاري)) (10/ 161). .
7- القَناعةُ وعَدمُ التَّكالُبِ على الدُّنيا؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اتَّقوا اللهِ وأجمِلوا في الطَّلبِ [4262] فأجملوا في الطَّلَبِ، أي: اكتَسِبوا المالَ بوجهٍ جميلٍ، وهو ألَّا تطلُبَه إلَّا بالوجهِ الشَّرعيِّ. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3337). ؛ فإنَّ نَفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رِزقَها)) [4263] أخرجه من طرُقٍ: ابن ماجه (2144) واللفظ له، وابن الجارود في ((المنتقى)) (556)، وابن حبان (3239) من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه ابنُ حبان، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2135)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2144). .
8- الكَفُّ عن المُشتَهى تكلُّفًا، واحتِمالُ مرارةِ المُجاهَدةِ والصَّبرِ لمُداواةِ الشَّرَهِ وغَيرِه مِن العِلَلِ [4264] يُنظر: ((الإحياء)) للغزالي (3/ 61). ؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] .
وقال الشَّاعِرُ:
تعزَّ بالصَّبرِ على ما تكرَهُ
ولا تُخَلِّ النَّفسَ حينَ تشرَهُ
النَّفسُ إن أتبَعْتَها هواها
فاغرةٌ نَحوَ هواها فاها [4265] ((ديوان أبي العتاهية)) (ص: 169). .
وكان ابنُ سيرينَ إذا دُعِي إلى وَليمةٍ أو إلى عُرسٍ دخَل منزِلَه فيقولُ: (اسقوني شَربةَ سَويقٍ، فيُقالُ له: يا أبا بكرٍ، أنت تذهَبُ إلى العُرسِ تشرَبُ سَويقًا! فكان يقولُ: إنِّي أكرَهُ أن أجعَلَ حِدَّةَ جوعي على طَعامِ النَّاسِ!) [4266] ((الزهد)) لأحمد بن حنبل (1785)، ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان (9/ 182). .
9- تعويدُ الصِّغارِ على تَركِ الشَّرَهِ وشدَّةِ الحِرصِ، وقد ذُكِر في تأديبِ الأحداثِ والصِّبيانِ أنَّه ينبغي أن (يُزيِّنَ عندَه خُلْفَ النَّفسِ والتَّرفُّعَ عن الحِرصِ في المآكِلِ خاصَّةً، وفي اللَّذَّاتِ عامَّةً، ويُحبِّبَ إليه إيثارَ غَيرِه على نَفسِه بالغِذاءِ، والاقتِصارَ على الشَّيءِ المُعتدِلِ، والاقتِصادَ في التِماسِه) [4267] ((تهذيب الأخلاق)) لمسكويه (ص: 68). .

انظر أيضا: