موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: أقسامُ رَفعِ الصَّوتِ


رَفعُ الصَّوتِ على سبعةِ أقسامٍ:
الأوَّلُ: رَفعُ الصَّوتِ سجيَّةً، كأن يكونَ جَهْوريَّ الصَّوتِ، فيَجيءَ صَوتُه أرفَعَ من أمثالِه إذا تكلَّموا، وكان عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه رجُلًا جهيرَ الصَّوتِ [3598] أخرجه أحمد (24061) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، بلفظ: (وكان جَهيرَ الصَّوتِ). صحَّح سندَه الألباني على شرط الشيخين في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/305)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (24061). وأخرجه أبو داود (4660)، وأحمد (18906) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زمعةَ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظ: (وكان عمَرُ رجلًا مجهِرًا). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4660)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((موافقة الخُبر الخَبَر)) (1/150). ، وكذلك كان ثابِتُ بنُ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنه من أرفَعِهم صوتًا [3599] أخرجه البخاري (3613)، ومسلم (119) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مسلمٍ: (... ولقد عَلِمتُم أني من أرفَعِكم صوتًا ...). عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم افتقد ثابِتَ بنَ قَيسٍ، فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنا أعلَمُ لك عِلمَه، فأتاه فوجَده جالسًا في بيتِه، مُنَكِّسًا رأسَه، فقال: ما شأنُك؟ فقال: شَرٌّ! كان يرفَعُ صوتَه فوقَ صوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقد حَبِط عَمَلُه، وهو من أهلِ النَّارِ! فأتى الرَّجُلُ فأخبره أنَّه قال كذا وكذا، فقال موسى بنُ أنَسٍ: فرجع المرَّةَ الآخرةَ ببشارةٍ عظيمةٍ، فقال: ((اذهَبْ إليه، فقُلْ له: إنَّك لستَ من أهلِ النَّارِ، ولكِنْ من أهلِ الجنَّةِ)). أخرجه البخاري (3613) واللفظ له، ومسلم (119). .
الثَّاني: رَفعُ الصَّوتِ عِندَ الغَضَبِ، وفي المواطِنِ التي تستدعي ذلك، كأن يكونَ المخاطَبُ ضعيفَ السَّمعِ أو بعيدًا عن المتكَلِّمِ؛ قال الخَطيبُ البغداديُّ: (وإنْ لم يبلُغْه صوتُ الرَّاوي؛ لبُعدِه عنه، سأله أن يرفَعَ صَوتَه سؤالًا لطيفًا) [3600] ((الجامع لأخلاق الراوي)) للخطيب البغدادي (1/ 196). ، وقال ابنُ جماعةَ: (والأَولى ألَّا يجاوِزَ صوتُه مجلِسَه، ولا يقصُرَ عن سَماعِ الحاضرين، فإن حضَرَ فيهم ثقيلُ السَّمعِ فلا بأسَ بعُلُوِّ صوتِه بقَدْرِ ما يُسمِعُه) [3601] ((تذكرة السامع)) لابن جماعة (ص: 21). .
الثَّالِثُ: رَفعُ الصَّوتِ على كُلِّ حالٍ بغَيرِ داعٍ، كما تفعَلُ السُّوقةُ، وأقبَحُه رفعُ النِّساءِ أصواتَهنَّ؛ قال ابنُ عَقيلٍ: (يُكرَهُ سماعُ صَوتِ المرأةِ بلا حاجةٍ) [3602] ((الإنصاف)) للمرداوي (20/ 58). ، وقال العُثَيمين: (وعلى المرأةِ إذا خرجت أن تخرُجَ بسكينةٍ وخَفضِ صَوتٍ) [3603] ((الضياء اللامع)) (3/ 442). .
الرَّابعُ: رَفعُ الصَّوتِ يواري به ضَعْفَه ويغالِبُ به خَصْمَه. 
الخامِسُ: رَفعُ الصَّوتِ بالمعروفِ في المواعِظِ والخُطَبِ ونحوِها.
السَّادِسُ: رَفعُ الصَّوتِ بالمُنكَرِ عِندَ المخاصَمةِ، وبالسَّبِّ والشَّتمِ، والمعازِفِ والأغاني والكلامِ القبيحِ، وكأن يرفَعَ صَوتَه على أبوَيه أو كبيرٍ في العِلمِ أو السِّنِّ أو القَدْرِ، ورَفعُ الصَّوتِ في الفِتَنِ، قيل: (شَرُّ النَّاسِ في الفِتَنِ الخَطيبُ المِصْقَعُ)، والصَّقعُ: رَفعُ الصَّوتِ ومتابعتُه [3604] ((الفائق)) للزمخشري (2/ 308)، ((غريب الحديث)) لابن الجوزي (1/ 597). .
السَّابعُ: رَفعُ الصَّوتِ وخَفضُه للتَّدليسِ؛ قال أبو الأحوَصِ: (قال هُشَيمٌ في حديثٍ: سَمِعتُ ابنَ شُبرُمةَ -وخَفَض صوتَه- ثمَّ قال: عمَّن حَدَّثه، ثمَّ رفع صوتَه، فقال: عن عبدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ) [3605] ((أخبار القضاة)) لوكيع القاضي (3/ 45). .

انظر أيضا: