موسوعة الأخلاق والسلوك

سادسًا: دَرَجاتُ خُلْفِ الوَعْدِ


خُلْفُ الوَعْدِ أمذمومٌ منهيٌّ عنه، فمَن وَعَد وكان ناويًا الوفاءَ بما وَعَد ثمَّ لَمَّا جاء وقتُ الوفاءِ غَيَّرَ رأيَه فلم يَفِ، سُمِّي ناقضًا ناكِثًا لوَعدِه، وإذا كان خُلْفُ الوَعْدِ ليس من أخلاقِ المُؤمِنِ فإنَّه ليس في درجةٍ واحدةٍ قُبحًا وسوءًا، وعليه يمكِنُنا اعتبارُ خُلْفِ الوَعْدِ ثلاثَ دَرَجاتٍ:
الأولى: خُلْفُ الوَعْدِ مع اللَّهِ سُبحانَه، وهو أقبَحُ صُوَرِ خُلْفِ الوَعْدِ، فمَن وَعَد اللَّهَ سُبحانَه من نفسِه شَيئًا، وكان عازِمًا على أداءِ ما وَعَد، كان حريًّا به الوفاءُ بوعدِه مع اللَّهِ، وكان إخلافُه للوَعدِ مذمومًا.
قال القَرافيُّ: (أدَبُ العبدِ مع الرَّبِّ سُبحانَه وتعالى في أنَّه إذا وَعَد رَبَّه بشيءٍ لا يخلِفُه إيَّاه، لا سِيَّما إذا التَزَمه وصَمَّم عليه، فأدَبُ العبدِ مع الرَّبِّ سُبحانَه وتعالى بحُسنِ الوفاءِ) [3178] ((الفروق)) (3/ 95). .
الثَّانيةُ: خُلْفُ الوَعْدِ مع النَّفسِ، وهذا قد يقَعُ للإنسانِ أكثَرَ مِن خُلفِه مع غيرِه؛ فقد يتساهَلُ في حَقِّ نفسِه، ولا يبالي بوُعودِه التي يقطَعُها على نفسِه، فالنَّفسُ تحتاجُ إلى المجاهَدةِ والمتابَعةِ.
الثَّالثةُ: خُلْفُ الوَعْدِ مع النَّاسِ، وهو من صفاتِ المُنافِقين، لا سِيَّما إن كان صاحِبُه عازِمًا على الخُلْفِ بوَعدِه من البدايةِ، مُضمِرًا الإخلالَ بما وَعَد [3179] يُنظَر: ((أحكام القرآن)) للجصاص: (3/ 591)، ((مقاصد الرعاية)) للعز بن عبد السلام (ص: 125)، ((الفروق)) للقرافي (3/ 95)، ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/ 47، 48)، ((طوق النجاة)) لمجدي الهلالي (ص: 42). .
وقال عبدُ الرَّحمن ِحبَنَّكة الميدانيُّ:
(فإخلافُ الوَعْدِ أو بالعَهدِ له أربَعُ أحوالٍ:
الحالةُ الأولى: التَّعبيرُ العَمَليُّ عِندَ حلولِ أجَلِ الوَعْدِ أو العَهدِ عن الكَذِبِ في القولِ منذُ إعطاءِ الوَعْدِ أو العَهدِ، وهو في هذا يحمِلُ رذيلةَ الإخلافِ المُستَنِدِ إلى رذيلةِ الكَذِبِ.
الحالةُ الثَّانيةُ: النَّكثُ والنَّقضُ لِما أبرَمَه والتَزم به من وَعدٍ وعهدٍ، وهذا يعبِّرُ عن ضَعفِ الإرادةِ وعَدَمِ الثَّباتِ، وعَدَمِ احترامِ شَرَفِ الكَلِمةِ وثقةِ الآخرين بها، وهذا الخُلُقُ يُفضي بصاحِبِه إلى النَّبذِ من جماعةِ الفُضَلاءِ الذين يوثَقُ بهم وبأقوالِهم.
الحالةُ الثَّالثةُ: التَّحوُّلُ إلى ما هو أفضَلُ وخَيرٌ عِندَ اللَّهِ، والانتقالُ إلى ما هو أكثَرُ طاعةً للهِ، إلَّا أنَّ هذه الحالةَ لا تكونُ في العهودِ العامَّةِ التي تدخُلُ فيها حقوقٌ دوليَّةٌ، ولا في العهودِ التي ترتَبِطُ بها حقوقٌ مادِّيَّةٌ للآخرينَ من النَّاسِ.
أمَّا العَهدُ مع اللَّهِ في التِزامِ أمرٍ من الأمورِ فقد تجري المفاضَلةُ بينَه وبينَ غيرِه، لاختيارِ ما هو أقرَبُ إلى طاعةِ اللَّهِ وتحقيقِ مَرضاتِه.
الحالةُ الرَّابعةُ: العَجزُ عن الوفاءِ لسَبَبٍ من الأسبابِ، ومَن عَجَز عن الوفاءِ مع صِدقِ رَغبتِه به وحِرصِه عليه، فهو مَعذورٌ لعَدَمِ استطاعتِه.
وأمَّا حالةُ النِّسيانِ فهي من الأمورِ العامَّةِ التي تشمَلُ كُلَّ واجبٍ أو مُستحَبٍّ، وتنطَبِقُ عليها أحكامُ النِّسيانِ العامَّةِ) [3180] ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) (1/550، 551). .

انظر أيضا: