موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 27-29] .
قال الشِّنْقيطيُّ: (والخَذولُ: صيغةُ مبالغةٍ، والعَرَبُ تقولُ: خذَلَه: إذا تَرَك نَصرَه مع كونِه يترقَّبُ النَّصرَ منه، ومنه قولُه تعالى: وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران: 160] ) [3039] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (6/ 46). .
(يقولُ اللَّهُ: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 29] ، يقولُ: مُسلِمًا لِما ينزِلُ به من البلاءِ غيرَ مُنقِذِه ولا مُنجيه) [3040] ((جامع البيان)) للطبري (17/ 442). .
فهو (يخذُلُه ولا ينصُرُه وقتَ شِدَّةِ الحاجةِ إلى النُّصرةِ، وهكذا دائمًا شأنُ الشَّيطانِ، فليَحذَرِ الذين يتَّبِعونه ويَسمَعون لمشورتِه!) [3041] ((التفسير الواضح)) لحجازي (2/ 720). .
و(ليس المعنى أنَّ الشَّيطانَ كان خَذولًا للإنسانِ فيما مضى، وأصبح غيرَ خَذولٍ، بل المعنى أن هذا وَصفٌ ملازِمٌ للشَّيطانِ بالنِّسبةِ للإنسانِ؛ فالشَّيطانُ وصْفُه الخِذْلانُ لبني آدَمَ دائمًا، ليس معناه فيما مضى فقط، وإنَّما أخبَرَنا اللَّهُ تبارك وتعالى بأنَّ الشَّيطانَ خَذولٌ للإنسانِ لأجْلِ أن نتَّخِذَه عَدوًّا، وألَّا نغتَرَّ به؛ فإنَّه سوف يخذُلُنا في موطِنٍ نحتاجُ فيه إلى نَصرِه. فنَحذَرُ منه) [3042] ((تفسير ابن عثيمين - سورة الفرقان)) (ص: 104). .
- ومن أمثلةِ خِذْلانِه لأتباعِه في الآخرةِ قولُه سُبحانَه وتعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ [إبراهيم: 22] .
 (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وقال إبليسُ لَمَّا قُضِيَ الأمرُ، يعني: لَمَّا أُدخِلَ أهلُ الجنَّةِ الجَنَّةَ وأهلُ النَّارِ النَّارَ، واستقَرَّ بكُلِّ فريقٍ منهم قرارُهم: إنَّ اللَّهَ وعَدَكم -أيُّها الأتباعُ- النَّارَ، ووعَدْتُكم النُّصرةَ فأخلَفْتُكم وعدي، ووفى اللَّهُ لكم بوَعدِه) [3043] ((جامع البيان)) للطبري (13/ 628). .
ثمَّ قال: (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي: بنافِعِكم ومُنقِذِكم ومخلِّصِكم ممَّا أنتم فيه، وَمَا أَنْتُمْ بِمْصُرْخِيَّ أي: بنافِعيَّ بإنقاذي ممَّا أنا فيه من العذابِ والنَّكالِ) [3044] ((تفسير ابن كثير)) (4/ 490). .
- ومن الأمثلةِ لخِذْلانِ الشَّيطانِ لأصحابِه في الدُّنيا ما أخبر اللَّهُ تعالى به في قَولِه: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 48] [3045] ((تفسير ابن عثيمين - سورة الفرقان)) (ص: 105). .
(ذكَر تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ الشَّيطانَ غَرَّ الكُفَّارَ وخدَعَهم، وقال لهم: لا غالِبَ لكم وأنا جارٌ لكم.
وذكَر المفَسِّرون: أنَّه تمثَّل لهم في صورةِ سُراقةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ سَيِّدِ بني مُدلِجِ بنِ بَكرِ بنِ كِنانةَ، وقال لهم ما ذَكَر اللَّهُ عنه، وأنَّه مُجيرُهم من بني كِنانةَ، وكانت بَيْنَهم عداوةٌ، فلمَّا تراءت الفِئتانِ نَكَص على عَقِبَيه عندما رأى الملائكةَ، وقال لهم: إنِّي بريءٌ منكم، إنِّي أرى ما لا تَرَونَ، فكان حاصِلُ أمرِه أنَّه غَرَّهم وخدَعَهم حتى أوردَهم الهلاكَ، ثمَّ تبرَّأَ منهم، وهذه هي عادةُ الشَّيطانِ مع الإنسانِ) [3046] ((أضواء البيان)) للشنقيطي (2/ 103). .
 (ومن المحتَمَلِ أن يكونَ الشَّيطانُ قد سوَّل لهم، ووَسْوَسَ في صدورِهم أنَّه لا غالِبَ لهم اليومَ من النَّاسِ، وأنَّه جارٌ لهم، فلمَّا أوردهم موارِدَهم نَكَص عنهم، وتبَرَّأ منهم) [3047] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 323). .
- وقال اللَّهُ تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ [الحشر: 11 - 12] .
(قولُه تعالى: وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ بل يستولي عليهم الجُبنُ، ويَملِكُهم الفَشَلُ، ويَخذُلون إخوانَهم أحوجَ ما كانوا إليهم. وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفَرضِ والتَّقديرِ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ أي: ليَحصُلَ منهم الإدبارُ عن القتالِ والنُّصرةِ، ولا يحصُلَ لهم نَصرٌ من اللَّهِ) [3048] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 852). .
ثمَّ قال تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر: 16] ، أي: مَثَلُ أولئك المُنافِقين الذين وَعَدوا يهودَ بني النَّضيرِ الخُروجَ معهم إن أُخرِجوا، والنُّصرةَ لهم إن قُوتِلوا، ثمَّ خَذَلوهم، فما من شيءٍ من ذلك فَعَلوا، ومَثَلُ اليهودِ في اغترارِهم بهم- كمَثَلِ الشَّيطانِ حينَ سَوَّل للإنسانِ الكُفرَ بالرَّحمنِ، وزَيَّنَه له، ووعَدَه وعدًا حسَنًا بالنَّصرِ أو نحوِه، فلمَّا كَفَر الإنسانُ باللَّهِ اتِّباعًا للشَّيطانِ، وقَبولًا لتزيينِه، واغترارًا بوَعدِه، تبرَّأ منه الشَّيطانُ وخَذَلَه [3049] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (22/540، 541)، ((تفسير ابن عطية)) (5/290)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/116)، ((تفسير ابن كثير)) (8/75)، ((تفسير العليمي)) (7/17، 18)، ((تفسير الشوكاني)) (5/244)، ((تفسير السعدي)) (ص: 853). .
- قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 72 - 73] .
إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي: إن لم تفعَلوا ما أُمِرتُم به من النُّصرةِ على الكُفَّارِ والتَّواصُلِ تَكُنْ تحصُلْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ بقوَّةِ الكُفرِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ بضَعفِ الإسلامِ [3050] ((فتح الرحمن في تفسير القرآن)) للعليمي (3/ 140). .
وقال الطَّبَريُّ: (إلَّا تفعَلوا ما أمَرْتُكم به من التَّعاوُنِ والنُّصرةِ على الدِّينِ، تكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ...) [3051] ((جامع البيان)) (14/87). .

انظر أيضا: