موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الحياءُ من الإيمانِ، والإيمانُ في الجنَّةِ، والبَذاءُ من الجَفاءِ، والجَفاءُ في النَّارِ)) [2529] رواه الترمذي (2009)، وأحمد (10512). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (608)، والذهبي في ((الكبائر)) (472). .
ففي هذا الحديثِ بَيَّنَ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الإيمانَ والحياءَ مترابطانِ متلازمانِ، وهما معًا يقودانِ صاحِبَهما إلى الجنَّةِ، وفي المقابِلِ فإنَّ البَذاءَ -وهو فُحشُ القَولِ، والسَّيِّئُ منه- متلازِمٌ مع الجَفاءِ؛ فهو صِنْوُه الذي لا يفارِقُه، وهما يسوقانِ صاحِبَهما إلى النَّارِ.
قال مُلَّا علي القاري: (... ((والبَذاءُ)) -بفتحِ الباءِ- خِلافُ الحياءِ، والنَّاشِئُ منه الفُحشُ في القَولِ، والسُّوءُ في الخُلُقِ. من الجَفاءِ: وهو خِلافُ البِرِّ الصَّادِرِ منه الوَفاءُ. ((والجَفاءُ)). أي: أهلُه التَّارِكون للوفاءِ، الثَّابتون على غَلاظةِ الطَّبعِ وقَساوةِ القَلبِ. ((في النَّارِ)) إمَّا مُدَّةً أو أبدًا؛ لأنَّه في مقابِلِ الإيمانِ الكامِلِ أو مُطلَقِه، فصاحِبُه إمَّا من أهلِ الكُفرانِ أو الكُفرِ) [2530] ((مرقاة المفاتيح)) (8/3175). .
- وعن أبي مسعودٍ رَضِيَ الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الإيمانُ هاهنا- وأشار بيَدِه إلى اليَمَنِ-، والجَفاءُ وغِلَظُ القُلوبِ في الفَدَّادينَ [2531] هم المُكثِرون من الإبِلِ، الذين تعلو أصواتُهم في حُروثِهم ومواشيهم، وهم أهلُ جَفاءٍ وخُيَلاءَ. وقيل غيرُ ذلك. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 201). عِندَ أصولِ أذنابِ الإبِلِ، حيثُ يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطانِ في رَبيعةَ ومَضُرَ)) [2532] رواه البخاري (4387) واللفظ له، ومسلم (51). .
وفي هذا الحديثِ يُحَدِّثُنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الجَفاءِ وأين يكونُ، وهو في معنى الحديثِ الذي سبقه في أنَّ الجَفاءَ يَكثُرُ في أهلِ البوادي، الذين يتَّبِعون الإبِلَ في مراعيها، فيَبعُدون عن مراكِزِ المُدُنِ والحَضَرِ؛ فتَقسو قُلوبُهم، وتجفو طِباعُهم.
قال مُلَّا علي القاري: (... «والجَفاءُ» -بالمَدِّ- ضِدُّ الوفاءِ... والأظهَرُ أنَّ المرادَ به هاهنا غِلَظُ الألسِنةِ، بقرينةِ قولِه: «وغِلَظُ القُلوبِ في الفَدَّادينَ أهلِ الوَبَرِ» بيانٌ للفدَّادينَ، ويرادُ بأهلِ الوَبَرِ: الأعرابُ أو سُكَّانُ الصَّحاري، وإنَّما ذَمَّهم لبُعدِهم عن المُدُنِ والقُرى، المُوجِبِ لقِلَّةِ العِلمِ الحاصِلِ به حُسنُ الأخلاقِ لهم، وسائِرُ عُلومِ الشَّريعةِ) [2533] ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (9/4038). .
وقال المُناويُّ: (ويحتَمِلُ أنَّ المرادَ بالجَفاءِ أنَّ القَلبَ لا يَميلُ لموعظةٍ، ولا يخشَعُ لتَذكرةٍ، والمرادُ بالغِلَظِ: أنَّها لا تَفهَمُ المرادَ، ولا تَعقِلُ المعنى) [2534] ((فيض القدير)) للمناوي (4/535). .

انظر أيضا: