موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


شدَّدت السُّنَّةُ المطَهَّرةُ في أمرِ اللِّسانِ، وضرورةِ ألَّا يصدُرَ منه ما يُغضِبُ اللهَ سُبحانَه، ويؤذي عبادَه، ويكونُ سببًا لعقوبةِ صاحبِه، كالتَّنابُزِ بالألقابِ وغيرِه؛ فمن ذلك: 
1- عن المعرورِ بنِ سُوَيدٍ، قال: لَقِيتُ أبا ذَرٍّ بالرَّبَذةِ [1996] الرَّبَذَة: قريةٌ قُربَ المدينةِ، وهي أيضًا قريبةٌ من ذاتِ عِرقٍ. يُنظر: ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) للقاضي عياض (1/ 305)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 183). ، وعليه حُلَّةٌ [1997] الحُلَّةُ: واحدةُ الحُلَلِ، وهي ثيابٌ ذاتُ خُطوطٍ، ولا تسمَّى حُلَّةً إلَّا أن تكونَ ثوبينِ من جنسٍ واحدٍ، وقيل: إنَّما تكونُ حُلَّةً إذا كانَت جَديدَةً، وقيل: هي بُرودُ اليمَنِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/ 432)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 107). ، وعلى غلامِه حُلَّةٌ، فسألتُه عن ذلك، فقال: إنِّي سابَبتُ رَجُلًا فعَيَّرتُه [1998] فعَيَّرْتُه بأمِّه: أي عِبْتُه، ونسَبْتُه إلى العارِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 86، 161). بأمِّه، فقال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أبا ذَرٍّ أعيَّرْتَه بأمِّه؟! إنَّك امرُؤٌ فيك جاهليَّةٌ، إخوانُكم خَوَلُكم [1999] خَوَلُكم، أي: خَدَمُكم وعبيدُكم. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 115). ، جعَلهم اللهُ تحتَ أيديكم؛ فمن كان أخوه تحتَ يَدِه فلْيُطعِمْه ممَّا يأكُلُ، ولْيُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكَلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كلَّفْتُموهم فأعينوهم)) [2000] أخرجه البخاري (30) واللفظ له، ومسلم (1661). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (يؤخَذُ منه المبالغةُ في ذمِّ السَّبِّ واللَّعنِ؛ لِما فيه من احتقارِ المُسلِمِ، وقد جاء الشَّرعُ بالتَّسويةِ بَينَ المُسلِمينَ في معظَمِ الأحكامِ، وأنَّ التَّفاضُلَ الحقيقيَّ بَينَهم إنَّما هو بالتَّقوى، فلا يُفيدُ الشَّريفَ النَّسَبِ نَسَبُه إذا لم يكُنْ من أهلِ التَّقوى، وينتَفِعُ الوضيعُ النَّسَبِ بالتَّقوى) [2001] ((فتح الباري)) (10/468). .
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سِبابُ المُسلِمِ فُسوقٌ، وقتالُه كُفرٌ)) [2002] أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64). .
قال القُرطبيُّ: (قولُه: "سِبابُ المُسلِمِ فُسوقٌ" أي: خروجٌ عن الذي يجبُ من احترامِ المُسلِمِ، وحُرمةِ عِرضِه وسَبِّه) [2003] ((المفهم)) (2/20). .
- وعن أبي هُرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلِمُ أخو المُسلِمِ، لا يَظلِمُه، ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه)) [2004] أخرجه مسلم (2564) مطولًا. .
قال القاري: (أي: لا يحتَقِرُه بذِكرِ المعايبِ وتنابُزِ الألقابِ والاستهزاءِ والسُّخريَّةِ إذا رآه رثَّ الحالِ، أو ذا عاهةٍ في بدَنِه، أو غيرَ لائقٍ في محادثتِه؛ فلعَلَّه أخلَصُ ضميرًا وأتقى قلبًا ممَّن هو على ضِدِّ صِفتِه، فيَظلِمُ نفسَه بتحقيرِ مَن وَقَّره اللهُ) [2005] ((مرقاة المفاتيح)) (7/ 3105). .
3- عن أبي هُرَيرةَ قال: سُئِل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكثَرِ ما يُدخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فقال: ((الفَمُ والفَرجُ)) [2006] أخرجه الترمذي (2004) واللفظ له، وابن ماجه (4246)، وأحمد (7907). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (476)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4246)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7907). .
وذلك لأنَّهما يوقعانِ النَّاسَ في الإثمِ؛ فالفَمُ لِما يتأدَّى به من فِعلٍ وقولٍ؛ فالفِعلُ كالطَّعامِ والشَّرابِ المحَرَّمِ، والقَولُ باللِّسانِ كالكُفرِ والغِيبةِ والنَّميمةِ، وإبطالِ الحَقِّ وإبداءِ الباطِلِ، ومن ذلك التَّنابُزُ بالألقابِ، إلى غيرِ ذلك، وحِفظُ اللِّسانِ مِلاكُ أمرِ الدِّينِ كُلِّه، وأكلُ الحلالِ رأسُ التَّقوى كُلِّها [2007] يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3121)، ((شرح المصابيح)) لابن الملك (5/ 245)، ((دليل الفالحين)) لابن علان (5/ 81)، ((الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني)) للساعاتي (16/ 70). .

انظر أيضا: