موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((يا عائشةُ إنَّ اللَّهَ رفيقٌ يحِبُّ الرِّفقَ، ويُعطي على الرِّفقِ ما لا يُعطي على العُنفِ، وما لا يُعطي على ما سِواه)) [1520] أخرجه مسلم (2593). ، وقد ورد أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد حَثَّ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها على ذلك لمَّا تسَرَّعت في الرَّدِّ على اليهودِ حينَ استأذنوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالوا: «السَّامُ عليك» بدلًا من «السَّلامُ عليك»، والسَّامُ هو الموتُ، فقالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: (بل عليكم السَّامُ واللَّعنةُ) [1521] أخرجه البخاري (6927)، ومسلم (2165). ، فأمرها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرِّفقِ بالتَّثبُّتِ، وعَدَمِ التَّسَرُّعِ في الغَضَبِ والقَسوةِ، وأدَّبَها لمَّا نطَقَت به من اللَّعنةِ، وأمرَها بالرِّفقِ لِمَا فيه من الأجرِ والمثوبةِ، ولِما فيه من حُسنِ التَّروِّي الذي يؤدِّي إلى حُسنِ الدَّعوةِ وتوصيلِ المفاهيمِ الصَّحيحةِ للمُخالفين حتَّى وإن أساؤوا الأدَبَ [1522] يُنظَر: ((شرح المشكاة للطيبي)) (10/ 3229)، (المفهم)) للقرطبي (5/ 494). .
2-عن جُندَبِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كان فيمن كان قَبلَكم رجُلٌ به جُرحٌ فجَزِع فأخَذ سِكِّينًا فحَزَّ بها يَدَه فما رقأَ الدَّمُ حتَّى مات. قال اللَّهُ تعالى: بادرني عبدي بنفسِه، حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ)) [1523] أخرجه البخاري (3463) واللفظ له، ومسلم (113). ، فهذا الرَّجُلُ تعجَّل وتهوَّر فقَتَل نفسَه، ويوضِّحُ ذلك قولُه: ((بادَرَني عبدي بنفسه)). قال ابنُ حَجَرٍ: (هو كنايةٌ عن استعجالِ المذكورِ الموتَ، وقولُه: ((حَرَّمْتُ عليه الجنَّةَ)) جارٍ مجرى التَّعليلِ للعقوبةِ؛ لأنَّه لمَّا استعجَل الموتَ بتعاطي سَبَبِه من إنفاذِ مَقاتِلِه فجَعَل له فيه اختيارًا، عصى اللَّهَ به؛ فناسَب أن يعاقِبَه، ودَلَّ ذلك على أنَّه حزَّها لإرادةِ الموتِ لا لقَصدِ المداواةِ التي يغلِبُ على الظَّنِّ الانتفاعُ بها) [1524] ((فتح الباري)) (6/500). . وهذا فيه تحذيرٌ وتخويفٌ من التَّهَوُّرِ والتَّعَجُّلِ الذي يؤدِّي بصاحِبِه إلى سوءِ العاقبةِ.
3- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تردَّى مِن جَبَلٍ فقَتَل نفسَه، فهو في نارِ جَهنَّمَ يتردَّى فيه خالدًا مخلَّدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سُمًّا فقَتَل نفسَه، فسُمُّه في يَدِه يتحَسَّاه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن قَتَل نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يَدِه يَجَأُ بها في بَطنِه في نارِ جهنَّمَ خالِدًا مخلَّدًا فيها أبَدًا)) [1525] أخرجه البخاري (5778) واللفظ له، ومسلم (109). ، فقَولُه: تردَّى، أي: رمى بنفسِه مِن الجَبَلِ وغيرِه فهَلَك، وهذا تهوُّرٌ (لإفضائِه إلى الهلَكةِ، والمرادُ به هنا أن يتهَوَّرَ الإنسانُ، فيرميَ نفسَه من جَبَلٍ) فيموتَ؛ لأنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لنفسِه لم يُسرِعْ بأجَلِه المقدَّرِ له، وإنَّما استحَقَّ المعاقبةَ؛ لأنَّ اللَّهَ لم يُطلِعْه على انقضاءِ أجَلِه، فاختار هو قَتْلَ نفسِه؛ فاستَحقَّ المعاقبةَ لعصيانِه [1526] يُنظَر: ((شرح المشكاة)) للطيبي (8/ 2457)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/500)، ((البحر المحيط الثجاج)) للإتيوبي (3/ 306). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يُستجابُ لأحَدِكم ما لم يَعْجَلْ، يقولُ: دعَوتُ فلم يُستجَبْ لي)) [1527] أخرجه البخاري (6340) واللفظ له، ومسلم (2735). . فهذا الحديثُ فيه تعليمٌ نَبَويٌّ وأدبٌ من آدابِ الدُّعاءِ، وهو أن يلازِمَ العبدُ الطَّلبَ في دعائِه، ولا يستعجِلَ الإجابةَ إن تأخَّرَت، ولا يكونُ مُتسَرِّعًا في اليأسِ من الإجابةِ، بل عليه أن يُظهِرَ الانقيادَ والاستسلامَ والافتقارَ للهِ ولا يتعجَّلَ، فإذا داوم على الدُّعاءِ دونَ استكثارٍ أو ملَلٍ أو سآمةٍ مع رجاءِ الإجابةِ وحُسنِ الظَّنِّ باللَّهِ تعالى، فإنَّ دعوتَه مستجابةٌ إن شاء اللَّهُ، وإن تأخَّرَت الإجابةُ بعضَ الوقتِ؛ ففيه حثٌّ على التَّروِّي وتحذيرٌ من العَجَلةِ والتَّسَرُّعِ في طلَبِ حُصولِ إجابةِ الدُّعاءِ [1528] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/ 100)، ((شرح النووي على مسلم)) (17/ 52). .

انظر أيضا: