موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: أخطاءٌ شائعةٌ


- الاعتقادُ بأنَّ ما قد يقَعُ أحيانًا بَيْنَ مُسلِمين من المَوجِدةِ في النَّفسِ لحُصولِ بعضِ الأمورِ يدخُلُ في البُغْضِ والكَراهيَةِ، أو يَلزَمُ عنه حُصولُ البُغْضِ والكَراهيَةِ، وهذا خطَأٌ؛ فالمَوجِدةُ مجَرَّدُ إحساسٍ بالألمِ والتَّصَرُّفِ، المَوجِدةُ سريعةُ الزَّوالِ، أمَّا البُغْضُ والكَراهيَةُ فإنَّهما يحمِلانِ النَّفسَ على القبيحِ من الأقوالِ والأفعالِ، والكارِهُ والمُبغِضُ يتمَنَّى الشَّرَّ لأخيه، ويحزَنُ لحُصولِ ما يَسُرُّه، وليس في المَوجِدةِ شيءٌ من ذلك، وقد وقَع ذلك لخيرِ النَّاسِ، ولم يحمِلْهم على كَراهيَةٍ أو بُغضٍ.
فعن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما (أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه حينَ تأيَّمَت بِنتُه حَفصةُ من خُنَيسِ بنِ حُذافةَ السَّهميِّ، وكان من أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد شَهِدَ بَدرًا، توفِّيَ بالمدينةِ، قال عُمَرُ: فلَقِيتُ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ، فعَرَضتُ عليه حَفصةَ، فقُلتُ: إنْ شِئتَ أنكَحْتُك حَفصةَ بنتَ عُمَرَ، قال: سأنظُرُ في أمري، فلَبِثتُ لياليَ، فقال: قد بدا لي ألَّا أتزوَّجَ يومي هذا! قال عُمَرُ: فلَقِيتُ أبا بكرٍ، فقُلتُ: إنْ شِئتَ أنكَحْتُك حَفصةَ بنتَ عُمَرَ، فصَمَت أبو بكرٍ فلم يرجِعْ إليَّ شَيئًا! فكُنتُ عليه أوجَدَ مِنِّي على عُثمانَ، فلَبِثتُ لياليَ ثمَّ خطَبَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأنكَحْتُها إيَّاه، فلَقِيَني أبو بكرٍ فقال: لعَلَّك وجَدْتَ عَلَيَّ حينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفصةَ فلم أرجِعْ إليك؟ قُلتُ: نعَمْ، قال: فإنَّه لم يمنَعْني أن أرجِعَ إليك فيما عَرَضْتَ إلَّا أنِّي قد عَلِمتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد ذكَرَها، فلم أكُنْ لأُفشيَ سِرَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو تَرَكها لقَبِلْتُها) [1272] أخرجه البخاري (4005). .
(قولُه: وكان وَجْدي على أبي بَكرٍ أشَدَّ مِن وَجْدي على عُثمانَ، لمعنيَينِ: أحَدُهما: أنَّ أبا بكرٍ لم يَرُدَّ عليه الجوابَ. والثَّاني: أنَّ أبا بَكرٍ أخَصُّ بعُمَرَ منه بعُثمانَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آخى بَيْنَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ، فكانت مَوجِدتُه عليه أكثَرَ؛ لثِقتِه به وإخلاصِه له) [1273] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/229). .
بُغضُ قومٍ لا يعني الاعتداءَ عليهم أو تَرْكَ العدلِ معهم:
قال اللَّهُ تعالى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا [المائدة: 2] .
قال السَّعديُّ: (أي: لا يحمِلَنَّكم بُغضُ قومٍ وعداوتُهم واعتداؤُهم عليكم، حيثُ صَدُّوكم عن المسجدِ، على الاعتداءِ عليهم، طَلَبًا للاشتِفاءِ منهم؛ فإنَّ العبدَ عليه أن يلتَزِمَ أمرَ اللَّهِ، ويَسلُكَ طريقَ العَدلِ، ولو جُنِيَ عليه أو ظُلِم واعتُدِيَ عليه، فلا يحِلُّ له أن يَكذِبَ على مَن كذَب عليه، أو يخونَ من خانه) [1274] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 218). .
وقال تعالى: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة: 8] أي: لا يحمِلَنَّكم بُغضُ أقوامٍ على تَركِ العَدلِ؛ فإنَّ العدلَ واجِبٌ على كُلِّ أحدٍ، في كُلِّ أحَدٍ في كُلِّ حالٍ [1275] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 12). . كما قال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء: 135] أي: فلا يحمِلَنَّكم الهوى والعَصبيَّةُ وبِغضةُ النَّاسِ إليكم، على تَركِ العَدلِ في أمورِكم وشُؤونِكم، بل الزَموا العَدلَ على أيِّ حالٍ كان [1276] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 433). .

انظر أيضا: