موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من الأمانةِ عِندَ السَّلَفِ ومَن بَعدَهم


1- عن زيادِ بنِ الرَّبيعِ اليَحمديِّ، عن أبيه، قال: (رأيتُ محمَّدَ بنَ واسِعٍ يبيعُ حمارًا له بسوقِ مَرْوٍ، فقال له رجُلٌ: يا أبا عبدِ اللهِ، أترضاه لي؟ قال: لو رَضِيتُه لم أبِعْه!)، فهو من أمانتِه بَيَّنَ لمَن أراد أن يشتريَ الحمارَ أنَّ به عَيبًا، وأنَّه لا يرضاه لنفسِه، وبَعدَ ذلك فالمُشتري بالخيارِ، وهذا من جملةِ النَّصيحةِ لعامَّةِ المُسلِمين، وأداءِ الأماناتِ إليهم [900] يُنظَر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 329). .
2- عن ربيعٍ الخَزَّازِ، قال: جاءت امرأةُ شَوذَبٍ بثَوبِ خَزٍّ، فألقَتْه على يونُسَ بنِ عُبيدٍ، فقالت: اشتَرِ هذا، قال: بكم؟ قالت: بمئةٍ، قال: ثوبُك خيرٌ من ذلك! قالت: بمائتينِ، قال: ثوبُك خيرٌ من ذلك! قالت: بأربَعِمئةٍ، قال أبو بِشرٍ: فأنا أشُكُّ، حتى بلَغ أربَعَمئةٍ، أو خمسَمئةٍ، قال: هذا عندَنا إن اشتراه رجلٌ فوضعه عندَه حتى جاءه طالِبٌ يربَحُ فيه، فأخذه، قالت: خُذْه، قال: فلمَّا ذهبَت أقبَل عليه أصحابُه، قالوا: يا أبا عبدِ اللهِ، ما كان عليك لو أخَذْتَه بمئةٍ؟ قال: لا شيءَ، إلَّا أنِّي ظنَنْتُ أنَّها مغرورةٌ، فأحبَبْتُ أن أنصَحَها [901] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 226). !
3- قال مِسعَرٌ: جاء مُجمِّعٌ بشاةٍ إلى السُّوقِ يبيعُها، قال: يخيَّلُ لي أنَّ في لبَنِها ملوحةً [902] يُنظَر: ((الجامع لشعب الإيمان)) للبيهقي (7/ 227). ، فمِن أمانتِه أوضح عيبَ الشَّاةِ قبلَ بَيعِها، ثمَّ تَرَك الخيارَ للمُشتري؛ إن شاء اشترى، وإن شاء انصَرف.
- مرَّ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ براعٍ، فقال: (يا راعيَ الغَنَمِ، هل من جَزَرةٍ [903] الجَزرُ: ما يُذبَحُ من الشَّاءِ ذَكَرًا كان أو أنثى، واحِدَتُها: جَزرةٌ. وخَصَّ بعضُهم به الشَّاةَ التي يقومُ إليها أهلُها فيذبحونها. يُنظَر: ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سِيده (7/ 285). ؟ قال الرَّاعي: ليس هاهنا رَبُّها، فقال له ابنُ عُمَرَ: تقولُ له: إنَّه أكَلَها الذِّئبُ، قال: فرفع الرَّاعي رأسَه إلى السَّماءِ، ثمَّ قال: فأين اللهُ؟! قال ابنُ عُمَرَ: فأنا واللهِ أحَقُّ أن أقولَ: أين اللهُ، فاشترى ابنُ عُمَرَ الرَّاعيَ، واشترى الغَنَمَ فأعتَقَه وأعطاه الغَنَمَ) [904] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (11/102)، وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (7/469): إسنادُه صحيحٌ. !
- عن أسلَمَ قال: (بينما أنا مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وهو يَعُسُّ [905] أي: يطوفُ باللَّيلِ لحِراسةِ النَّاسِ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (16/ 254). المدينةَ إذ أعيا [906] أي: تَعِبَ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (39/ 138). ، فاتَّكأ على جانِبِ جدارٍ في جَوفِ اللَّيلِ، فإذا امرأةٌ تقولُ لابنتِها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللَّبَنِ فامذُقِيه [907] أي: اخْلِطيه. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (26/ 381). بالماءِ. فقالت لها: يا أمَّتاه، وما عَلِمْتِ بما كان من عَزمةِ أميرِ المؤمنينَ اليومَ؟! قالت: وما كانت من عَزْمَتِه يا بُنَيَّةُ؟ قالت: إنَّه أمَرَ مناديَه فنادى: ألَّا يُشابَ اللَّبَنُ بالماءِ. فقالت لها: يا ابْنَتاه، قومي إلى اللَّبَنِ فامذُقيه بالماءِ؛ فإنَّك بموضِعٍ لا يراكِ عُمَرُ، ولا منادي عُمَرَ. فقالت الصَّبيَّةُ لأمِّها: يا أُمَّتاه، واللهِ ما كنتِ لأطيعَه في الملأِ، وأعصيَه في الخَلا! وعُمَرُ يَسمَعُ كُلَّ ذلك، فقال: يا أسلَمُ، عَلِّمِ البابَ، واعرِفِ الموضِعَ. ثمَّ مضى في عَسَسِه، فلمَّا أصبح قال: يا أسلَمُ، امضِ إلى الموضِعِ، فانظُرِ مَن القائلةُ، ومَن المقولُ لها، وهل لهم مِن بَعْلٍ؟ فأتيتُ الموضِعَ فنظَرْتُ فإذا الجاريةُ أَيِّمٌ لا بَعْلَ لها، وإذا تِيكَ أُمُّها، وإذا ليس لهم رجلٌ، فأتيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فأخبَرْتُه، فزَوَّج عُمَرُ البنتَ مِن أحَدِ أبنائِه) [908] يُنظَر: ((مسند الفاروق)) لابن كثير (2/ 129). .

انظر أيضا: