موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا [النساء: 6] .
قال ابنُ كثير: (ينهى تعالى عن أكلِ أموالِ اليتامى من غيرِ حاجةٍ ضَروريَّةٍ إسرافًا) [309] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/216). .
وقال الماوَرْديُّ: (يعني: لا تأخُذوها إسرافًا على غيرِ ما أباح اللهُ لكم، وأصلُ الإسرافِ تجاوُزُ الحَدِّ المباحِ إلى ما ليس بمباحٍ، فرُبَّما كان في الإفراطِ، ورُبَّما كان في التَّقصيرِ، غيرَ أنَّه إذا كان في الإفراطِ فاللُّغةُ المُستَعمَلةُ فيه أن يُقالَ: أسرَفَ إسرافًا، وإذا كان في التَّقصيرِ قيلَ: سَرِفَ يَسرَفُ) [310] ((النكت والعيون)) للماوردي (1/453). .
وقال السَّعديُّ: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا أي: مجاوزةً للحَدِّ الحلالِ الذي أباحه اللهُ لكم من أموالِكم، إلى الحرامِ الذي حرَّمه اللهُ عليكم من أموالِهم، وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا أي: ولا تأكلوها في حالِ صِغَرِهم التي لا يمكِنُهم فيها أخذُها منكم، ولا منعُكم مِن أكلِها، تبادِرون بذلك أن يَكبَروا، فيأخُذوها منكم ويمنَعوكم منها) [311] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 165). .
- وقال سُبحانَه: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141] .
قال الطَّبَريُّ: (السَّرَفُ الذي نهى اللهُ عنه في هذه الآيةِ: مجاوَزةُ القَدْرِ في العَطيَّةِ إلى ما يُجحِفُ برَبِّ المالِ) [312] ((جامع البيان)) للطبري (9/614). .
(قال السُّدِّيُّ: وَلَا تُسْرِفُوا، أي: لا تُعطوا أموالَكم فتَقعُدوا فُقَراءَ. قال الزَّجَّاجُ: على هذا إذا أعطى الإنسانُ كُلَّ مالِه، ولم يُوصِلْ إلى عيالِه شيئًا، فقد أسرَفَ) [313] ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/164). .
(وقال بعضُ العُلَماءِ: لا تُسرِفوا في شيءٍ من الأعمالِ؛ لأنَّ الإسرافَ كُلَّه مذمومٌ.
وقال بعضُ العُلَماءِ: إنَّه راجِعٌ إلى قَولِه: وَكُلُوا أي: كُلوا من ثَمَرِه، ولا تُسرِفوا في الأكلِ) [314] ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (2/ 332). .
- وقَال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31] .
قال الماوَرْديُّ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ: أحَدُها: لا تُسرِفوا في التَّحريمِ، قاله السُّدِّيُّ. والثَّاني: معناه: لا تأكُلوا حرامًا؛ فإنَّه إسرافٌ، قاله ابنُ زَيدٍ. والثَّالِثُ: لا تُسرِفوا في أكلِ ما زاد على الشِّبَعِ؛ فإنَّه مُضِرٌّ) [315] ((النكت والعيون)) للماوردي (2/218). .
وقال السَّعديُّ: (ففي هذه الآيةِ الكريمةِ الأمرُ بتناوُلِ الأكلِ والشُّربِ، والنَّهيُ عن تَرْكِهما، وعن الإسرافِ فيهما) [316] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (287). .
- وقال تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27] .
قال القُرطبيُّ: (وهو حَرامٌ -أي: التَّبذيرُ-؛ لقَولِه تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27] ، وقَولُه: إِخْوَانَ يعني أنَّهم في حُكمِهم؛ إذ المبَذِّرُ ساعٍ في إفسادٍ كالشَّياطينِ، أو أنَّهم يَفعَلون ما تُسَوِّلُ لهم أنفُسُهم، أو أنَّهم يُقرَنون بهم غدًا في النَّارِ) [317] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/248). .
وقال ابنُ كثيرٍ في قولِه تعالى: كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ: (أي: في التَّبذيرِ والسَّفَهِ، وتَركِ طاعةِ اللهِ وارتكابِ مَعصيتِه؛ ولهذا قال: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لَرَبِّهِ كَفُورًا أي: جَحودًا؛ لأنَّه أنكَر نعمةَ اللهِ عليه ولم يَعمَلْ بطاعتِه، بل أقبَل على معصيتِه ومخالفتِه) [318] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/69). .
وقال القاسِميُّ في قَولِه تعالى: كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ: (أي: أمثالَهم في كُفرانِ نِعمةِ المالِ بصَرفِه فيما لا ينبغي. وهذا غايةُ المَذَمَّةِ؛ لأنَّه لا شَرَّ من الشَّيطانِ، أو هم إخوانُهم: أتباعُهم في المصادَقةِ والإطاعةِ، كما يُطيعُ الصَّديقُ صَديقَه، والتَّابعُ متبوعَه، أو هم قُرَناؤُهم في النَّارِ على سَبيلِ الوعيدِ. والجُملةُ تعليلٌ للمنهيِّ عنه من التَّبذيرِ، ببيانِ أنَّه يُجعَلُ صاحِبُه مقرونًا معهم. وقَولُه: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا من تَتِمَّةِ التَّعليلِ. قال أبو السُّعودِ: أي: مبالِغًا في كُفرانِ نعمتِه تعالى؛ لأنَّ شأنَه أن يَصرِفَ جميعَ ما أعطاه اللهُ تعالى من القُوى إلى غيرِ ما خُلِقَت له؛ من أنواعِ المعاصي، والإفسادِ في الأرضِ، وإضلالِ النَّاسِ، وحَمْلِهم على الكُفرِ باللهِ، وكُفرانِ نِعَمِه الفائضةِ عليهم، وصَرْفِها إلى غيرِ ما أمَر اللهُ تعالى به. وتخصيصُ هذا الوَصفِ بالذِّكرِ مِن بَيْنِ سائِرِ أوصافِه القبيحةِ؛ للإيذانِ بأنَّ التَّبذيرَ -الذي هو عبارةٌ عن صَرفِ نِعَمِ اللهِ تعالى إلى غيرِ مَصرِفِها- من بابِ الكُفرانِ المقابِلِ للشُّكرِ الذي هو عبارةٌ عن صَرفِها إلى ما خُلِقَت هي له. والتَّعَرُّضُ لوَصفِ الرُّبوبيَّةِ؛ للإشعارِ بكامِلِ عُتُوِّه [319] العُتُوُّ: التَّجَبُّرُ والتَّكَبُّرُ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 28). ؛ فإنَّ كُفرانَ نِعمةِ الرَّبِّ -مع كونِ الرُّبوبيَّةِ من أقوى الدَّواعي إلى شُكرِها- غايةُ الكُفرانِ، ونهايةُ الضَّلالِ والطُّغيانِ) [320] ((محاسن التأويل)) للقاسمي (6/456). ويُنظَر: ((إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم)) لأبي السعود (5/168). .
- وقاله سُبحانَه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] .
قال ابنُ كثيرٍ: (أي: ليسوا بمُبَذِّرين في إنفاقِهم، فيَصرِفون فوقَ الحاجةِ، ولا بُخَلاءَ على أهليهم، فيُقَصِّرون في حَقِّهم فلا يَكفونَهم، بل عدلًا خِيارًا، وخيرُ الأمورِ أوسَطُها، لا هذا ولا هذا، وكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، كما قال: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء: 29] ) [321] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/124). .
- قال تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء: 29] .
(فنهاه عن البُخلِ بقَولِه: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ، ونهاه عن الإسرافِ بقَولِه: وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ، فيتعَيَّنُ الوَسَطُ بَيْنَ الأمرينِ، كما بيَّنه بقَولِه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] ، فيَجِبُ على المُنفِقِ أن يُفَرِّقَ بَيْنَ الجودِ والتَّبذيرِ، وبَينَ البُخلِ والاقتِصادِ؛ فالجودُ غيرُ التَّبذيرِ، والاقتصادُ غيرُ البُخلِ؛ فالمنعُ في محلِّ الإعطاءِ مذمومٌ، وقد نهى اللهُ عنه نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ، والإعطاءُ في محَلِّ المنعِ مذمومٌ أيضًا، وقد نهى اللهُ عنه نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه: وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ) [322] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (1/ 11). .

انظر أيضا: