موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: الوسائلُ المُعينةُ على تَركِ الأثَرةِ


يُمكِنُ التَّخلُّصُ مِن هذه الصِّفةِ المذمومةِ بَعدَ الاستعانةِ باللهِ مِن خِلالِ ما يلي:
1- البُعدُ بالنَّشءِ عن العاداتِ التي تزرعُ الأنانيَّةَ في نُفوسِهم.
2- العَدلُ بَينَ الأبناءِ في المُعامَلةِ؛ فعن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ رضِي اللهُ عنهما، قال: ((سألَت أمِّي أبي بعضَ الموهبةِ لي مِن مالِه، ثُمَّ بدا له، فوهَبها لي، فقالت: لا أرضى حتَّى تُشهِدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخذ بيدي وأنا غلامٌ، فأتى بي النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أمَّه بنتَ رَواحةَ سألَتني بعضَ الموهبةِ لهذا، قال: ألك ولدٌ سِواه؟ قال: نعَم، قال: فأُراه قال: لا تُشهِدْني على جَورٍ، في رِوايةٍ: لا أشهَدُ على جَورٍ)) [44] أخرجه البخاري (2650) واللفظ له، ومسلم (1623). .
3- تعويدُ الطِّفلِ على مُشارَكةِ غَيرِه له في لُعَبِه، وألَّا يستأثِرَ بها دونَهم.
4- تعاوُنُ المُؤسَّساتِ الدَّعَويَّةِ والإعلاميَّةِ في التَّنفيرِ عن الأثَرةِ.
5- التَّربيةُ بالقُدوةِ؛ قال عَمرُو بنُ عَبسةَ رضِي اللهُ عنه: ((صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى بعيرٍ مِن المَغنَمِ، فلمَّا سلَّم أخذ وَبرةً مِن جَنبِ البعيرِ، ثُمَّ قال: ولا يحِلُّ لي مِن غنائِمِكم مِثلُ هذا إلَّا الخُمسَ، والخُمسُ مردودٌ فيكم)) [45] أخرجه أبو داود (2755)، والبيهقي (13325) واللفظ لهما، والحاكم (6583) باختلاف يسيرٍ. صحَّحه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (100)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2755)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1019). .
6- الإلحاحُ في الدُّعاءِ بأن يصرِفَ اللهُ عنه الأثَرةَ، وقد كان النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يدعو: ((...واهدِني لأحسَنِ الأخلاقِ؛ لا يهدي لأحسَنِها إلَّا أنت، واصرِفْ عنِّي سيِّئَها؛ لا يصرِفُ عنِّي سيِّئَها إلَّا أنت)) [46] أخرجه مسلم (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. .
7- التَّورُّعُ؛ فعن أنسٍ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَد تمرةُ، فقال: لولا أن تكونَ صدقةً لأكلْتُها)) [47] أخرجه البخاري (2055)، ومسلم (1071) واللفظ له .
8- الخوفُ مِن اللهِ تعالى؛ فعن سعيدِ بنِ زيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ: ((أنَّه خاصَمَته أَرْوى في حقٍّ زعَمَت أنَّه انتقَصه لها إلى مروانَ، فقال سعيدٌ: أنا أنتقِصُ مِن حقِّها شيئًا، أشهَدُ لَسِمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: مَن أخَذ شِبرًا مِن الأرضِ ظُلمًا فإنَّه يُطَوَّقُه يومَ القيامةِ مِن سَبعِ أرَضينَ)) [48] أخرجه البخاري (3198) واللفظ له، ومسلم (1610). .
9- تعويدُ النَّفسِ على الإكثارِ مِن الصَّدَقاتِ.
10- استِحضارُ عاقِبةِ الأثَرةِ، فمِن العاقِبةِ السَّيِّئةِ لمَن يستحوِذُ على أموالِ النَّاسِ ويستأثِرُ بها ما راوه أبو هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتدرونَ ما المُفلِسُ؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا دِرهمَ له ولا مَتاعَ، فقال: إنَّ المُفلِسَ مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَم هذا، وقذَف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفَك دمَ هذا، وضرَب هذا؛ فيُعطى هذا مِن حسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فنِيَت حسناتُه قَبلَ أن يُقضى ما عليه أُخِذ مِن خطاياهم، فطُرِحَت عليه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ)) [49] أخرجه مسلم (2581). .
ومِن العاقِبةِ الحَسنةِ لتَركِ الأثَرةِ ما رُوِي عن وَرشٍ أنَّه قال: خرجْتُ مِن مِصرَ لأقرأَ على نافِعٍ، فلمَّا وصلْتُ إلى المدينةِ صِرْتُ إلى مسجدِ نافِعٍ، فإذا هو لا يُطاقُ القراءةُ عليه مِن كثرتِهم، وإنَّما يُقرِئُ ثلاثينَ.
فجلسْتُ خَلفَ الحَلْقةِ، وقلْتُ لإنسانٍ: مَن أكبَرُ النَّاسِ عندَ نافِعٍ؟ فقال لي: كبيرُ الجعفَريِّينَ، فقلْتُ: فكيف به؟ قال: أنا أجيءُ معَك إلى منزلِه.
وجِئنا إلى منزلِه، فخرَج شيخٌ فقلْتُ: أنا مِن مِصرَ، جِئْتُ لأقرأَ على نافِعٍ، فلم أصِلْ إليه، وأُخبِرْتُ أنَّك مِن أصدَقِ النَّاسِ له، وأنا أريدُ أن تكونَ الوسيلةَ إليه، فقال: نعَم، وكرامةً.
وأخَذ طَيلسانَه ومضى معَنا إلى نافِعٍ، وكان لنافِعٍ كُنيتانِ؛ أبو رُوَيمٍ، وأبو عبدِ اللهِ، فبأيِّهما نُودِي أجاب، فقال له الجَعفَريُّ: هذا وسيلتي إليك، جاء مِن مِصرَ ليس معَه تجارةٌ، ولا جاء لحجٍّ، إنَّما جاء للقراءةِ خاصَّةً.
فقال: ترى ما ألقى مِن أبناءِ المُهاجِرينَ والأنصارِ، فقال صديقُه: تحتالُ له، فقال لي نافِعٌ: أيُمكِنُك أن تبيتَ في المسجدِ؟ قلْتُ: نعَم، فبِتُّ في المسجدِ، فلمَّا أن كان الفجرُ جاء نافِعٌ.
فقال: ما فعَل الغريبُ؟ فقلْتُ: ها أنا رحِمك اللهُ، قال: أنت أَولى بالقراءةِ، قال: وكنْتُ معَ ذلك حَسنَ الصَّوتِ، مدَّادًا به، فاستفتحْتُ، فملأ صوتي مسجدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فقرأْتُ ثلاثينَ آيةً، فأشار بيدِه: أن اسكُتْ، فسكتُّ، فقام إليه شابٌّ مِن الحَلْقةِ، فقال: يا مُعلِّمُ أعزَّك اللهُ، نحن معَك، وهذا رجُلٌ غريبٌ،وإنَّما رحَل للقراءةِ عليك، وقد جعلْتُ له عَشرًا، وأقتصِرُ على عشرينَ، فقال: نعَم، وكرامةً، فقرأْتُ عَشرًا، فقام فتًى آخَرُ، فقال كقولِ صاحِبِه، فقرأْتُ عَشرًا، وقعَدْتُ، واقتصَرْتُ على عشرينَ، حتَّى لم يبقَ له أحدٌ ممَّن له قراءةٌ.
فقال لي: اقرأْ، فأقرَأني خمسينَ آيةً، فما زِلْتُ أقرأُ عليه خمسينَ في خمسينَ حتَّى قرأْتُ عليه خَتماتٍ قَبلَ أن أخرُجَ مِن المدينةِ [50] ((معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار)) للذهبي (ص: 92). . فنفَع اللهُ تعالى بوَرشٍ، وما زالت روايتُه يُقرَأُ بها إلى اليومِ. 

انظر أيضا: