موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها قالت: ((ما رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستجمِعًا قَطُّ ضاحِكًا حتَّى أرى منه لهَواتِه [9721] لهَوَاتٌ: جَمعُ لهاةٍ، وهي اللَّحمةُ المتعَلِّقةُ في أعلى الحَنَكِ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/ 578). ، إنَّما كان يتبَسَّمُ)) [9722] رواه البخاري (6092) واللفظ له، ومسلم (899) مطوَّلًا. .
هذا الحديثُ ذَكَره النَّوويُّ تحتَ بابِ الوَقارِ والسَّكينةِ في كتابِه (رياضِ الصَّالحين)، وقد قال ابنُ عُثَيمين مُعَلِّقًا: (يعني: ليس يَضحَكُ ضَحِكًا فاحِشًا بقَهْقَهةٍ، يفتَحُ فَمَه حتَّى تبدوَ لهاتُه، ولكِنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يبتَسِمُ أو يَضحَكُ حتى تبدوَ نواجِذُه، أو تبدوَ أنيابُه، وهذا من وَقارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولهذا تجِدُ الرَّجُلَ كثيرَ الكَرْكَرةِ -الذي إذا ضَحِك قَهْقَه وفَتَح فاه- يكونُ هَيِّنًا عِندَ النَّاسِ، وَضيعًا عِندَهم، ليس له وَقارٌ، وأمَّا الذي يُكثِرُ التَّبسُّمَ في محَلِّه، فإنَّه يكونُ محبوبًا، تنشَرِحُ برؤيتِه الصُّدورُ، وتطمَئِنُّ به القُلوبُ) [9723] ((شرح رياض الصالحين)) (4/92). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (والذي يظهَرُ من مجموعِ الأحاديثِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان -في مُعظَمِ أحوالِه - لا يزيدُ على التَّبسُّمِ، وربَّما زاد على ذلك، فضَحِكَ، والمكروهُ من ذلك إنَّما هو الإكثارُ منه أو الإفراطُ فيه؛ لأنَّه يُذهِبُ الوَقارَ) [9724] ((فتح الباري)) (10/505). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أتاكم أهلُ اليَمَنِ، هم أرَقُّ أفئدةً، وأليَنُ قُلوبًا. الإيمانُ يَمانٍ، والحِكمةُ يَمانيَةٌ، والفَخرُ والخُيَلاءُ في أصحابِ الإبِلِ، والسَّكينةُ والوَقارُ في أهلِ الغَنَمِ)) [9725] رواه البخاري (4388) واللفظ له، ومسلم (52). .
(تخصيصُ الخُيَلاءِ بأصحابِ الإبِلِ، والوَقارِ بأهلِ الغَنَمِ: يدُلُّ على أنَّ مخالطةَ الحيوانِ تؤثِّرُ في النَّفسِ، وتُعدي إليها هيئاتٍ وأخلاقًا تناسِبُ طِباعَها، وتلائِمُ أحوالَها؛ ولهذا قيل: الصُّحبةُ تُؤثِّرُ في النَّفسِ، ولعَلَّ هذا أيضًا وَجهُ الحِكمةِ في أنَّ كُلَّ نبيٍّ رعى الغَنَمَ، وخلاصةُ الكلامِ ورابطةُ النِّظامِ بَيْنَ فُصولِ الحديثِ: أنَّ أهلَ اليَمَنِ يَغلِبُ عليهم الإيمانُ والحِكمةُ، كما أنَّ أهلَ الإبِلِ يغلِبُ عليهم الفَخرُ، وأهلَ الغَنَمِ يَغلِبُ عليهم السُّكونُ، فمَن أراد صُحبةَ أهلِ الإيمانِ والعِرفانِ، فعليه بمصاحبةِ نحوِ أهلِ اليَمَنِ على وَجهِ الإيمانِ؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119] ) [9726] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) لملا علي القاري (9/4037). .
- وعن أبي هُرَيرةَ، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا سَمِعتُم الإقامةَ فامشوا إلى الصَّلاةِ وعليكم بالسَّكينةِ والوَقارِ، ولا تُسرِعوا، فما أدرَكْتُم فصَلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)) [9727] رواه البخاري (636) واللفظ له، ومسلم (602). .
قال النَّوويُّ: (الوَقارُ في الهيئةِ، وغَضُّ البَصَرِ، وخَفضُ الصَّوتِ، والإقبالُ على طريقِه بغيرِ التِفاتٍ، ونحوُ ذلك. واللهُ أعلَمُ) [9728] ((شرح النووي على مسلم)) (5/100). .
- وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للأشَجِّ؛ أشَجِّ عَبدِ القَيسِ: ((إنَّ فيك خَصلَتيِن يحِبُّهما اللهُ: الحِلمَ، والأناةَ)) [9729] أخرجه مسلم (17). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (الأناةُ: التَّأنِّي والتَّثبُّتُ وتَرْكُ العَجَلةِ إلى أن يتَّضِحَ الصَّوابُ) [9730] ((الإفصاح)) (3/96). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يملِكُ نَفْسَه عِندَ الغَضَبِ)) [9731] أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (الصُّرَعةُ: الذي يَصرَعُ النَّاسَ ويَكثُرُ منه ذلك،... فأراد عليه السَّلامُ أنَّ الذي يقوى على مَلْكِ نَفسِه عِندَ الغَضَبِ ويَرُدُّها عنه هو القويُّ الشَّديدُ، والنِّهايةُ في الشِّدَّةِ؛ لغلَبَتِه هواه المُرْديَ الذي زَيَّنه له الشَّيطانُ المُغْوي، فدَلَّ هذا أنَّ مجاهدةَ النَّفسِ أشَدُّ من مجاهَدةِ العَدُوِّ؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السَّلامُ جعَلَ للذي يملِكُ نَفسَه عِندَ الغَضَبِ من القُوَّةِ والشِّدَّةِ ما ليس للذي يَغلِبُ النَّاسَ ويَصرَعُهم) [9732] ((شرح صحيح البخاري)) (9/296). .
(ولذلك كان ضَبطُ النَّفسِ عِندَ سَوراتِه دليلَ قُدرةٍ محمودةٍ، ورزانةِ عَقلٍ) [9733] ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (4/563). .

انظر أيضا: