موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِن السُّنَّةِ النَّبويَّةِ


1- عن تميمٍ الدَّاريِّ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلْنا: لمَن؟ قال: للهِ ولكتابِه ولرسولِه [9152] قال النووي: (أمَّا النَّصيحةُ للهِ تعالى فمعناها منصَرِفٌ إلى الإيمانِ به، ونفيِ الشريكِ عنه، وتركِ الإلحادِ في صفاتِه، ووصفِه بصفاتِ الكمالِ والجلالِ كُلِّها، وتنزيهِه سُبحانَه وتعالى من جميعِ النَّقائصِ، والقيامِ بطاعتِه، واجتنابِ معصيتِه، والحبِّ فيه والبُغضِ فيه، وموالاةِ من أطاعه ومعاداةِ من عصاه، وجهادِ من كفَرَ به، والاعترافِ بنعمتِه وشكرِه عليها... وأمَّا النَّصيحةُ لكتابِه سُبحانَه وتعالى فالإيمانُ بأنَّ كلامَ اللهِ تعالى وتنزيلَه لا يشبِهُه شيءٌ من كلامِ الخلقِ ولا يقدِرُ على مثلِه أحدٌ من الخَلقِ، ثُمَّ تعظيمُه وتلاوتُه حَقَّ تلاوتِه وتحسينُها والخشوعُ عندَها... وأمَّا النَّصيحةُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتصديقُه على الرِّسالةِ، والإيمانُ بجميعِ ما جاء به، وطاعتُه في أمرِه ونهيِه، ونصرتُه حيًّا وميتًا، ومعاداةُ من عاداه وموالاةُ من والاه، وإعظامُ حقِّه، وتوقيرُه، وإحياءُ طريقتِه وسُنَّتِه، وبَثُّ دعوتِه، ونشرُ شريعتِه، ونفيُ التُّهمةِ عنها، واستثارةُ علومِها والتفَقُّهُ في معانيها، والدُّعاءُ إليها). ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 38). ويُنظَر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/126). ، ولأئمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم)) [9153] رواه مسلم (55). .
وقال النَّوويُّ: (هذا حديثٌ عظيمُ الشَّأنِ، وعليه مَدارُ الإسلامِ...، وأمَّا ما قاله جماعاتٌ مِن العُلماءِ: إنَّه أحدُ أرباعِ الإسلامِ، أي: أحدُ الأحاديثِ الأربعةِ التي تجمَعُ أمورَ الإسلامِ، فليس كما قالوه، بل المدارُ على هذا وَحدَه) [9154] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (2/37). .
والمقصودُ مِن إيرادِ الحديثِ هنا ذِكرُ النَّصيحةِ لأئمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم؛ فـ(النَّصيحةُ لأئمَّةِ المُسلِمينَ إعانتُهم على ما حمَلوا القِيامَ به، وتَنبيهُهم عند الغَفلةِ، وسَدُّ خَلَّتِهم عندَ الهَفوةِ، وجمعُ الكلمةِ عليهم، ورَدُّ القُلوبِ النَّافِرةِ إليهم، ومِن أعظَمِ نصيحتِهم دَفعُهم عن الظُّلمِ بالتي هي أحسَنُ، ومِن جملةِ أئمَّةِ المُسلِمينَ أئمَّةُ الاجتِهادِ، وتقَعُ النَّصيحةُ لهم ببثِّ عُلومِهم، ونَشرِ مناقِبِهم، وتحسينِ الظَّنِّ بهم، والنَّصيحةِ لعامَّةِ المُسلِمينَ، والشَّفقةِ عليهم، والسَّعيِ فيما يعودُ نَفعُه عليهم، وتعليمِهم ما ينفَعُهم، وكفِّ وُجوهِ الأذى عنهم، وأن يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لنَفسِه، ويكرَهَ لهم ما يكرَهُ لنَفسِه) [9155] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 138). .
والمُرادُ بأئمَّةِ المُسلِمينَ الخُلفاءُ وغَيرُهم ممَّن يقومُ بأمورِ المُسلِمينَ مِن أصحابِ الوِلاياتِ، وهذا هو المشهورُ، وذكَر بعضُ العُلماءِ أنَّه قد يتأوَّلُ ذلك على الأئمَّةِ الذين هُم عُلماءُ الدِّينِ، وأنَّ مِن نصيحتِهم قَبولَ ما روَوه، وتقليدَهم في الأحكامِ، وإحسانَ الظَّنِّ بهم، وأمَّا عامَّةُ المُسلِمينَ فهُم مَن عدا وُلاةَ الأمرِ [9156] يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 38). ويُنظَر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/126). .
2- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حقُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِتٌّ، قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا لَقيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطَس فحمِد اللهَ فسَمِّتْه [9157] أي: أن يقولَ له: يرحمُك اللهُ، والتَّسميتُ والتَّشميتُ بالسِّين والشِّين، يُقالُ: شَمَّتَه وسَمَّتَه. يُنظَر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (1/ 191)، ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 499). ، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه)) [9158] رواه البخاري (1240) بنحوه، ومسلم (2162) واللفظ له. .
(قولُه: وإذا استنصَحك فانصَحْ له، "أي: إذا استشارك في عَملٍ مِن الأعمالِ: هل يعمَلُه أم لا، فانصَحْ له بما تُحِبُّه لنَفسِك؛ فإن كان العَملُ نافِعًا مِن كُلِّ وَجهٍ فحُثَّه على فِعلِه، وإن كان مُضرًّا فحذِّرْه منه، وإن احتوى على نَفعٍ وضَررٍ فاشرَحْ له ذلك، ووازِنْ بَينَ المصالِحِ والمفاسِدِ، وكذلك إذا شاوَرك على مُعامَلةِ أحدٍ مِن النَّاسِ، أو تزويجِه، أو التَّزوُّجِ منه، فابذُلْ له مَحضَ نصيحتِك، وأعمِلْ له مِن الرَّأيِ ما تعمَلُه لنَفسِك، وإيَّاك أن تغُشَّه في شيءٍ مِن ذلك؛ فمَن غشَّ المُسلِمينَ فليس منهم، وقد ترَك واجِبَ النَّصيحةِ، وهذه النَّصيحةُ واجِبةٌ مُطلَقًا، ولكنَّها تتأكَّدُ إذا استنصَحك وطلَب منك الرَّأيَ النَّافِعَ؛ ولهذا قيَّده في هذه الحالةِ التي تتأكَّدُ) [9159] ((بهجة قلوب الأبرار)) للسعدي (ص: 112). .
3- وعن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنه قال: ((بايَعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصحِ لكُلِّ مُسلِمٍ)) [9160] رواه البخاري (57)، ومسلم (56). .
قال الخطَّابيُّ: (جعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نصيحةَ المُسلِمينَ شَرطًا في الدِّينِ يُبايَعُ عليه، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ ولذلك تراه قرَنه بهما) [9161] ((أعلام الحديث)) (1/ 187). .
وقال ابنُ حَجرٍ: (فائِدةُ التَّقييدِ بالمُسلِمِ للأغلَبِ، وإلَّا فالنُّصحُ للكافِرِ مُعتبَرٌ بأن يُدعى إلى الإسلامِ، ويُشارَ عليه بالصَّوابِ إذا استَشار) [9162] ((فتح الباري)) (1/ 140). .
4- وعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِي اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَثلُ القائِمِ على حُدودِ اللهِ والواقِعِ فيها، كمَثلِ قومٍ استَهَموا على سفينةٍ، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوا مِن الماءِ مرُّوا على مَن فَوقَهم، فقالوا: لو أنَّا خرَقْنا في نَصيبِنا خَرقًا ولم نُؤذِ مَن فَوقَنا، فإن يترُكوهم وما أرادوا هلَكوا جميعًا، وإن أخَذوا على أيديهم نجَوا، ونجَوا جميعًا)) [9163] أخرجه البخاري (2493). .
ففي هذا الحديثِ (بيَّن الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مسؤوليَّةَ المجتمَعِ المُسلِمِ، ووُجوبَ التَّناصُحِ فيما بَينَهم، وأثَرَ ذلك في نجاةِ المُسلِمينَ مِن الفِتنِ والأحداثِ) [9164] ((أصول الدعوة وطرقها)) لجامعة المدينة العالمية (ص: 20). .
5- وعن أنسٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انصُرْ أخاك ظالِمًا أو مظلومًا، فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنصُرُه إذا كان مظلومًا، أفرأَيتَ إذا كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟ قال: تحجِزُه، أو تمنَعُه مِن الظُّلمِ؛ فإنَّ ذلك نَصرُه)) [9165] أخرجه البخاري (6952). .
(فالمظلومُ في حقِّه أو مالِه يمنَعُ عنه الظُّلمَ، ويرفَعُ عنه الحَيفَ بكُلِّ ما يُستَطاعُ مِن الوسائِلِ، والقَصدُ أن تكونَ يدٌ معَ يدِ المظلومِ حتَّى يأخُذَ حقَّه، وأمَّا نَصرُ الظَّالِمِ فمَنعُه عن الظُّلمِ، فإن أراد استلابَ مالٍ حُلْتَ بَينَه وبَينَه، وأخذْتَ بيَدِه، وإن أراد البَطشَ ببريءٍ ضرَبْتَ على يَدِه إن كانت يدُك أقوى مِن يَدِه، وتُراعي الحِكمةَ لئلَّا ينقلِبَ ظالِمًا لك، وإن كانت النَّصيحةُ رادِعةً سلَكْتَها وإلَّا فتستعمِلُ معَه القوَّةَ حتَّى يرجِعَ إلى الحقِّ، وطُرقُ الظُّلمِ كثيرةٌ جدًّا، ووسائِلُه جَمَّةٌ، وكُلُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ حَرامٌ؛ دَمُه، ومالُه، وعِرضُه) [9166] ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (5/48، 49). .

انظر أيضا: