موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ في نُصرةِ المظلومِ من حياةِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


أبو بِكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه:
- عن عُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ قال: (قُلتُ لِعَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ: أخبِرْني بأشَدِّ ما صَنَعَ المُشركونَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: بَينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي بفِناءِ الكَعبةِ إذ أقبَلَ عُقْبةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ، فأخذَ بمَنكِبِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولَوى ثَوبَه في عُنُقِه فخَنقَهُ خَنقًا شَديدًا، فأقبَلَ أبو بَكرٍ، فأخذَ بمَنكِبِه ودَفَعَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقال: أتَقتُلونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر: 28] ) [9095] رواه البخاري (4815). .
نَصرُ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ لكَعبِ بنِ مالِكٍ بالغَيبِ:
عن كَعبِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، في قِصَّةِ تخَلُّفِه وصاحِبَيه عن غزوةِ تَبوكَ، قال: ((... ولم يذكُرْني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى بَلغَ تَبوكَ، فقال وهو جالسٌ في القَومِ بتَبوكَ: ما فعل كَعبٌ؟! فقال رَجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رَسولَ اللهِ، حَبَسه بُرْداه، ونَظَرُه في عِطفِه [9096] قولُه: (بُرْداه) تثنيةُ بُردٍ. و(عِطْفِه) أي: جانِبِه، وهو إشارةٌ إلى إعجابِه بنفسِه ولباسِه، وقيل: كنَّى بذلك عن حُسنِه وبَهجتِه، والعَرَبُ تَصِفُ الرِّداءَ بصِفةِ الحُسنِ وتُسَمِّيه عِطفًا؛ لوُقوعِه على عِطْفَيِ الرَّجُلِ. يُنظَر: ((عمدة القاري)) للعيني (18/ 52). ! فقال معاذُ بنُ جَبَلٍ: بئسَ ما قُلتَ! واللهِ يا رَسولَ اللهِ ما عَلِمْنا عليه إلَّا خَيرًا! فسكَتَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) [9097] أخرجه البخاري (2769) ومسلم (4418). .
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ في نسبةِ الرَّجُلِ كَعبًا إلى الزَّهوِ والكِبرِ: (كانت نِسبةً باطِلةً بدليلِ شهادةِ العَدلِ الفاضِلِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ؛ إذ قال: «بِئسَ ما قُلتَ! واللهِ يا رسولَ اللَّهِ ما عَلِمْنا عليه إلَّا خيرًا». فيه جوازُ الذَّمِّ والتَّقبيحِ للمتكَلِّمِ في حَقِّ المُسلِمِ بالعَيبِ والقبيحِ، ونُصرةُ المُسلِمِ في حالِ غَيبتِه، والرَّدُّ عن عِرْضِه) [9098] ((المفهم)) (7/ 96). .
وقال النَّوويُّ: (هذا دليلٌ لرَدِّ غَيبةِ المُسلِمِ الذي ليس بمُتهَتِّكٍ في الباطِلِ، وهو من مُهِمَّاتِ الآدابِ وحُقوقِ الإسلامِ) [9099] ((شرح مسلم)) (17/ 89). .
عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ:
- جاء إلى عُمَرَ بنِ عَبدِ العزيزِ رَجُلٌ متَّزِرٌ ببُردٍ قِطْريٍّ، متعَصِّبٌ بآخَرَ، حتى أخَذَ بلجامِ بَغلَتِه، ما يُنَهْنِهُه أحَدٌ، فقال:
تَدَعونَ حَرَّانَ مظلومًا ليأتيَكم
 فقد أتاكم لعندِ الدَّارِ مَظلومُ
فقال: ممَّن أنت؟ قال: مِن أهلِ حَضْرَمَوتَ. قال: ما ظُلامتُك؟ قال: أرضي وأرضُ آبائي أخذَها الوليدُ وسُلَيمانُ، فأكَلاها! فنَزَل عُمَرُ عن دابَّتِه يتَّكِئُ حتَّى جَلَس بالأرضِ، فقال: مَن يَعلَمُ ذلك؟ قال: أهلُ البَلَدِ قاطِبةً. قال: يكفيني من ذلك شاهِدَا عَدلٍ، اكتُبوا له إلى بلادِه، إن أقام شاهِدَيْ عَدلٍ على أرضِه وأرضِ آبائِه وأجدادهِ فادفَعوها إليه. فحَسْبُ الوليدِ وسُلَيمانَ ما أكلا من غَلَّتِها! فلمَّا وَلَّى الرَّجُلُ، قال: هَلُمَّ، هل هلَكَتْ لك من راحلةٍ؟ أو أخلَقَ لك من ثوبٍ؟ أو نَفِد لك من زادٍ؟ أو تخرَّقَ لك مِن حذاءٍ؟ فحَسَبَ ذلك، فبَلَغ اثنينِ وثلاثينَ دينارًا، أو ثلاثةً وثلاثينَ دينارًا، فأتى بها من بيتِ المالِ، فكأنِّي أنظُرُ إليها تُعَدُّ في يَدِه [9100] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (68/186). !
عامِرُ بنُ عبدِ اللَّهِ، المعروفُ بابنِ عَبدِ قَيسٍ:
- مرَّ عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ برَجُلٍ من أعوانِ السُّلطانِ، وهو يَجُرُّ ذِمِّيًّا، والذِّمِّيُّ يستغيثُ به، قال: فأقبَلَ على الذِّمِّيِّ، فقال: أدَّيتَ جِزْيتَك؟ قال: نعَمْ. فأقبَلَ عليه، فقال: ما تريدُ منه؟ قال: أذهَبُ به يَكسَحُ دارَ الأميرِ، قال: فأقبَلَ على الذِّمِّيِّ، فقال: تطيبُ نفسُك له بهذا؟ قال: يشغَلُني عن ضَيعتي. قال: دَعْه. قال: لا أدَعُه. قال: دَعْه. قال: لا أدَعُه. قال: فوضَعَ كِساءَه، ثمَّ قال: لا تُخفَرُ ذِمَّةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا حيٌّ. قال: ثمَّ خلَّصه منه [9101] رواه أحمد في ((الزهد)) (1256)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (2/91)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (26/14). .
نماذِجُ أُخرى:
- وعن السَّيبانيِّ، قال: (كان عبدُ اللهِ بنُ الدَّيلميِّ من أنصَرِ النَّاسِ لإخوانِه. فذُكِرَ ابنُ مُحَيريزٍ في مجلِسِه، فقال رجُلٌ: كان بخيلًا! فغَضِبَ ابنُ الدَّيلميِّ وقال: كان جوادًا حيثُ يُحِبُّ اللَّهُ، بخيلًا حيثُ تُحِبُّون) [9102] ((المعرفة والتاريخ)) ليعقوب بن سفيان (2/ 367)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 145)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (33/ 17). .
- عن عُمَرَ بنِ الهيَّاجِ بنِ سَعيدٍ أخي مجالِدِ بنِ سَعيدٍ، قال: كنتُ من صحابةِ شَريكِ بنِ عبدِ اللهِ النَّخَعيِّ القاضي، فأتيتُه يومًا وهو في منزلِه باكِرًا، فخرَج إليَّ في فَروٍ ليس تحتَه قميصٌ، عليه كِساءٌ.
فقُلتُ له: قد أضحيتَ عن مجلِسِ الحُكمِ، فقال: غسَلْتُ ثيابي أمسِ فلم تَجِفَّ، فأنا أنتظِرُ جفوفَها، اجلِسْ.
فجَلَستُ فجَعَلْنا نتذاكَرُ بابَ العبدِ يتزوَّجُ بغيرِ إذنِ مواليه، فقال: ما عندَك فيه؟ ما تقولُ فيه؟ وكانت الخَيزُرانُ قد وجَّهَت رجلًا نصرانيًّا على الطِّرازِ بالكوفةِ، وكتَبَت إلى موسى بنِ عيسى ألَّا يعصيَ له أمرًا، فكان مُطاعًا بالكوفةِ، فخرج علينا ذلك اليومَ مِن زُقاقٍ يخرُجُ إلى النَّخعِ، معه جماعةٌ من أصحابِه، عليه جُبَّةُ خَزٍّ وطَيلَسانٌ، على بِرْذَونٍ فارِهٍ، وإذا رجُلٌ بَيْنَ يديه مكتوفٌ وهو يقولُ: واغَوْثًا باللَّهِ، أنا باللهِ ثمَّ بالقاضي، وإذا آثارُ سِياطٍ في ظَهرِه، فسَلَّم على شريكٍ وجَلَس إلى جانبِه، فقال الرَّجُلُ المضروبُ: أنا باللهِ ثمَّ بك، أصلحَك اللَّهُ! أنا رجلٌ أعمَلُ هذا الوشيَ، كِراءُ مِثلي مائةٌ في الشَّهرِ، أخَذَني هذا مُذْ أربعةِ أشهُرٍ، فاحتَبَسَني في طِرازٍ يُجري عليَّ القوتَ، وعَلَيَّ عيالٌ قد ضاعوا، فأفلَتُّ اليومَ منه، فلَحِقَني ففَعَل بظهري ما ترى.
فقال: قُمْ يا نصرانيُّ فاجلِسْ مع خَصمِك، فقال: أصلَحَك اللهُ يا أبا عبدِ اللهِ، هذا مِن خَدَمِ السَّيِّدةِ! مُرْ به إلى الحَبسِ! قال: قُمْ وَيْلَك فاجلِسْ معه كما يُقالُ لك! فجَلَس، فقال: ما هذه الآثارُ التي بظَهرِ هذا الرَّجُلِ من أثَرِها به؟ قال: أصلَحَ اللهُ القاضيَ، إنَّما ضرَبتُه أسواطًا بيدي وهو يستحِقُّ أكثَرَ من هذا، مُرْ به إلى الحَبسِ! فألقى شريكٌ كِساءَه ودَخَل دارَه، فأخرَجَ سَوطًا رَبَذيًّا، ثمَّ ضَرَب بيَدِه إلى مجامِعِ ثَوبِ النَّصرانيِّ وقال للرَّجُلِ: انطَلِقْ إلى أهلِك، ثمَّ رَفَع السَّوطَ فجَعَل يَضرِبُ به النَّصرانيَّ، وهو يقولُ له: يا صُبحي قد مر قفا جَمَلٍ، لا يُضرَبُ واللهِ المُسلِمُ بعدَها أبدًا، فهمَّ أعوانُه أن يُخَلِّصوه مِن يَدَيه، فقال: مَن هاهنا مِن فتيانِ الحيِّ؟ خذوا هؤلاء فاذهَبوا بهم إلى الحَبسِ، فهَرَب القومُ جميعًا، وأفردوا النَّصرانيَّ فضَرَبَه أسواطًا، فجَعَل النَّصرانيُّ يَعصِرُ عَينَيه ويبكي ويقولُ له: ستعلَمُ!
فألقى السَّوطَ في الدِّهليزِ، وقال: يا أبا حَفصٍ، ما تقولُ في العبدِ يتزَوَّجُ بغيرِ إذنِ مواليه؟ وأخَذ فيما كُنَّا فيه كأنَّه لم يصنَعْ شَيئًا! وقام النَّصرانيُّ إلى البِرذَونِ ليركبَه فاستعصى عليه، ولم يكُنْ له من يأخُذُ برِكابِه، فجَعَل يَضرِبُ البِرذَونَ، قال: يقولُ له شَريكٌ: ارفُقْ به وَيْلَك! فإنَّه أطوَعُ للهِ منك، فمضى.
قال: يقولُ هو: خُذْ بنا فيما كُنَّا فيه، قال: قُلتُ: ما لنا ولذا؟ قد واللهِ فعَلْتَ اليومَ فَعلةً ستكونُ لها عاقبةٌ مكروهةٌ.
قال: أعِزَّ أمرَ اللهِ يُعِزَّك اللَّهُ! خُذْ بنا فيما نحن فيه، قال: وذَهَب النَّصرانيُّ إلى موسى بنِ عيسى فدَخَل عليه، فقال: ما بك؟ وغَضِب الأعوانُ وصاحِبُ الشُّرَطِ، فقال: شَريكٌ فَعَل بي كَيتَ وكَيتَ، قال: لا واللهِ ما أتعَرَّضُ لشَريكٍ! فمضى النَّصرانيُّ إلى بغدادَ فما رَجَع [9103] يُنظَر: ((أخبار القضاة)) لوكيع (3/ 169، 170)، ((الجليس الصالح الكافي)) للمعافى بن زكريا (ص: 232، 233)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (10/ 394، 395). .
- قال يعقوبُ بنُ سُفيانَ: (في هذه السَّنةِ -يعني سنةَ أربَعٍ وثمانينَ ومائةٍ أو سنةَ خمسٍ- حدَّث وكيعُ بنُ الجَرَّاحِ بمكَّةَ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالِدٍ البَهيِّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا مات لم يُدفَنْ حتَّى وَجَأ بطنُه وانثنى خِنصَرُه، وذَكَر غيرَ هذا! فرُفِع إلى العُثمانيِّ فأرسَلَ إليه فحبَسَه، وعَزَم على قَتلِه وصَلبِه، وأمَر بخَشَبةٍ أن تُنصَبَ خارِجًا من الحَرَمِ، وبَلَغ وكيعًا، وهو في الحَبسِ.
قال الحارِثُ بنُ الصِّدِّيقِ: فدخَلتُ على وكيعٍ لَمَّا بلَغَني -وقد سَبَق إليه الخبرُ- قال: وكان بينَه وبينَ سُفيانَ يومَئذٍ تباعُدٌ، فقال: ما أرانا إلَّا وقد اضطُرِرْنا إلى هذا الرَّجُلِ واحتَجْنا إليه -يعني: سفيانَ بنَ عُيَينةَ-. قال: قُلتُ: يا أبا سُفيانَ، دَعْ هذا عنك؛ فإنَّه إن لم يُدرِكْك فقد قُتِلْتَ. فأرسَلَ إليه وفَزِعَ إليه، فدَخَل سُفيانُ على العُثمانيِّ فكَلَّمه فيه، والعثمانيُّ يأبى عليه. فقال له سُفيانُ: إنِّي لك ناصِحٌ، إنَّ هذا رجُلٌ من أهلِ العِلمِ، وله عَشيرةٌ، فإنْ أنت أقدَمْتَ عليه أقَلُّ ما يكونُ أن تقومَ عليك عشيرتُه ووَلَدُه ببابِ أميرِ المُؤمِنين، فيُشخِصَك لمناظرتِهم. قال: فعَمِلَ فيه كلامُ سُفيانَ، وأمَرَ بإطلاقِه من الحَبسِ.
قال الحارِثُ بنُ الصِّدِّيقِ: فرَجَعْتُ إليه فأخبَرْتُه، ثمَّ جاء الأعوانُ فأخرجوه من السِّجنِ، وركِبَ حمارًا، وحمَلْنا متاعَه، وخرج.
قال الحارِثُ: فدخَلْتُ على العُثمانيِّ من الغَدِ، فقُلتُ: الحمدُ للهِ الذي لم تُبْتَلَ بهذا الرَّجُلِ، سلَّمك اللهُ عزَّ وجَلَّ) [9104] ((المعرفة والتاريخ)) (1/ 175، 176). .
- و(كان في بيتِ المَقدِسِ شابٌّ مأسورٌ من أهلِ دِمَشقَ كتب هذه الأبياتَ وأرسَلَ بها إلى المَلِكِ صلاحِ الدِّينِ على لِسانِ القُدسِ، فقال:
يا أيُّها المَلِكُ الذي
لمعالِمِ الصُّلْبانِ نَكَّسْ
جاءت إليك ظُلامةٌ
تسعى من البَيتِ المُقَدَّسْ
كُلُّ المساجِدِ طُهِّرَت
وأنا على شَرَفي مُنَجَّسْ
فكانت هذه الأبياتُ هي الدَّاعيةَ له إلى فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ) [9105] ((الأنس الجليل)) للعليمي الحنبلي (1/ 318، 319). .
- وقال ابنُ تيميَّةَ: (وقد عرَف النَّصارى كُلُّهم أنِّي لمَّا خاطَبْتُ التَّتارَ في إطلاقِ الأسرى وأطلقَهم غازان وقطلو شاه، وخاطَبْتُ مولاي فيهم فسَمَح بإطلاقِ المُسلِمين. قال لي: لكِنَّ معنا نصارى أخَذْناهم من القُدسِ، فهؤلاء لا يُطلَقون. فقُلتُ له: بل جميعُ من معك من اليهودِ والنَّصارى الذين هم أهلُ ذِمَّتِنا؛ فإنَّا نفتَكُّهم ولا نَدَعُ أسيرًا لا من أهلِ المِلَّةِ ولا من أهلِ الذِّمَّةِ. وأطلَقْنا من النَّصارى من شاء اللهُ. فهذا عمَلُنا وإحسانُنا، والجزاءُ على اللهِ) [9106]  ((مجموع الفتاوى)) (28/ 617، 618). .
- لمَّا وقَعَت المناظرةُ لابنِ تَيميَّةَ مع الشَّافعيَّةِ، وبحَث مع الصَّفيِّ الهِنديِّ ثمَّ ابنِ الزَّمَلكانيِّ بالقَصرِ الأبلَقِ، شرَعَ المِزِّيُّ يقرأُ كتابَ (خَلْق أفعالِ العِبادِ) للبُخاريِّ، وفيه فصلٌ في الرَّدِّ على الجَهميَّةِ، فغَضِبَ بعضُ الشَّافعيَّةِ وقالوا: نحن المقصودون بهذا، فبلغ ذلك القاضيَ الشَّافعيَّ يومَئذٍ، فأمَر بسَجْنِه، فتوَجَّهَ ابنُ تَيميَّةَ وأخرَجَه من السِّجنِ، فغَضِبَ النَّائبُ فأُعيدَ، ثمَّ أُفرِجَ عنه [9107]  يُنظَر: ((الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة)) لابن حجر (1/ 170) و (6/ 230). .
- وقال عبدُ اللهِ بنُ عبدِ العزيزِ الهَدلق: (دونَك هذه المأثُرةَ: حدَّثني أخي فضيلةُ الشَّيخِ محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ آلِ الشَّيخِ -وهو الثِّقةُ الثَّبتُ- أنَّ سفيرَ المملكةِ السَّابقَ في فرنسا معالي الأستاذِ جميل الحجيلان حدَّثه قال: اشتكى أحَدُ السُّجَناءِ الجزائريِّينَ ظُلمًا وقع عليه في سُجونِ فَرَنْسا وطالت مُدَّتُه فيه... فما كان منه إلَّا أنْ كَتَب إلى سماحةِ الشَّيخِ ابنِ بازٍ يَطلُبُ منه أن يَنظُرَ في حالِه، فكَتَب الشَّيخُ ابنُ بازٍ خِطابًا جاء في صَدرِه ما معناه: من عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بازٍ إلى حَضرةِ الرَّئيسِ فرانسوا ميتران! وأخذ الشَّيخُ يتلطَّفُ بالرَّئيسِ ويَشرَحُ له حالَ هذا السَّجينِ وما وقَع عليه من ظُلمٍ...
قال الأستاذُ جميل الحجيلان: فلمَّا قُرِئَ الخِطابُ على الرَّئيسِ الفَرَنسيِّ فرانسوا ميتران ما خرج من رئاسةِ الجُمهوريَّةِ في ذلك اليومِ حتَّى كان السَّجينُ الجزائريُّ قد أُطلِق سَراحُه…
هل عَلِمتَ لمَ وَجَد النَّاسُ بفَقدِ سماحةِ الشَّيخِ ابنِ بازٍ رحمه اللهُ قريبًا ممَّا كان يجِدُه النَّاسُ على فقدِ الأنبياءِ؟ هو نَفعُ النَّاسِ إذَنْ) [9108] مجلة ((الإسلام اليوم)) عدد 81، شعبان 1432ه، (ص: 18). .

انظر أيضا: