موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ النُّصْرةِ


1- النُّصْرةُ قَبْلَ وُقوعِ الظُّلمِ:
نُصرةُ المظلومِ قد تكونُ أثناءَ وُقوعِ الظُّلمِ عليه، أو قَبْلَ ذلك أو بَعْدَه؛ قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ: (ويقَعُ النَّصرُ مع وُقوعِ الظُّلمِ، وهو حينَئذٍ حقيقةٌ، وقد يقَعُ قَبلَ وُقوعِه، كمَن أنقَذ إنسانًا من يدِ إنسانٍ طالَبَه بمالٍ ظُلمًا، وهدَّده إن لم يَبذُلْه، وقد يقَعُ بَعْدُ، وهو كثيرٌ) [9080] ((فتح الباري)) (5/99). .
2- النُّصْرةُ بالنُّصحِ للظَّالمِ:
إذا رأى المُسلِمُ حَقًّا مهضومًا وظُلمًا بَيِّنًا، فعليه أن يقومَ بنُصحِ الظَّالمِ وتذكيرِه باللَّهِ، يقولُ ابنُ عُثَيمين: (إذا رأيتَ شَخصًا يَظلِمُ جارَه بالإساءةِ إليه وعَدَمِ المبالاةِ به، فإنَّه يجِبُ عليك أن تنصُرَ هذا وهذا -الظَّالمَ والمظلومَ-، فتذهَبَ إلى الظَّالمِ الجارِ الذي أخَلَّ بحقوقِ جارِه، وتنصَحَه، وتُبَيِّنَ له ما في إساءةِ الجِوارِ من الإثمِ والعُقوبةِ، وما في حُسنِ الجِوارِ من الأجرِ والمثوبةِ، وتُكَرِّرَ عليه حتَّى يهديَه اللهُ فيرتَدِعَ، وتنصُرَ المظلومَ الجارَ، وتقولَ له: أنا سوف أنصَحُ جارَك، وسوف أكَلِّمُه، فإنْ هداه اللَّهُ فهذا هو المطلوبُ، وإن لم يَهتَدِ فأخبِرْني حتَّى نكونَ أنا وأنت عِندَ القاضي أو الحاكِمِ سواءً، نتعاوَنُ على دَفعِ ظُلمِ هذا الظَّالمِ.
وكذلك إذا وجَدْتَ شَخصًا جَحَد لأخيه حقًّا تدري أنَّه جَحَده، وأنَّ لأخيه عليه هذا الحَقَّ، فتذهَبُ إلى هذا الظَّالمِ الذي جحَدَ حَقَّ أخيه، وتنصَحُه وتُبيِّنُ له ما في أكلِ المالِ بالباطِلِ من العقوبةِ، وأنَّه لا خيرَ في أكلِ المالِ بالباطِلِ، لا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، بل هو شَرٌّ، حتى يؤدِّي ما عليه) [9081] ((شرح رياض الصالحين)) (2/608، 609). .
3- النُّصْرةُ بالشَّفاعةِ للمَظلومِ:
ومِن صُوَرِه: الشَّفاعةُ للمظلومِ حتى يأخُذَ حَقَّه، كما قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا [النساء: 85] .
قال الحافِظُ ابنُ كثيرٍ: (وقَولُه: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، أي: مَن سعى في أمرٍ فترتَّبَ عليه خيرٌ، كان له نصيبٌ من ذلك، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، أي: يكونُ عليه وِزرٌ من ذلك الأمرِ الذي ترتَّب على سَعْيِه ونِيَّتِه) [9082] ((تفسير ابن كثير)) (2/368). .
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا جاءه السَّائِلُ أو طُلِبَت إليه حاجةٌ، قال: اشفَعوا تؤجَروا، ويقضي اللهُ على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما شاء)) [9083] رواه البخاري (1432) واللفظ له، ومسلم (2627). .
(أي: إذا عَرَض المحتاجُ حاجتَه عَلَيَّ، فاشفَعوا له إليَّ؛ فإنَّكم إن شفَعْتُم حصل لكم الأجرُ، سواءٌ قَبِلْتُ شفاعتَكم أم لا، ويُجري اللهُ على لسانِ نبيِّه ما شاء، أي: من موجِباتِ قَضاءِ الحاجةِ أو عَدَمِها، أي: إن قضَيتُها أو لم أقضِها فهو بتقديرِ اللهِ تعالى وقضائِه) [9084] ((فتح الباري)) لابن حجر (10/451). .
4- النُّصْرةُ بدَفعِ أذى السُّلطانِ عن المظلومِ:
فالمُسلِمُ يَنصُرُ أخاه المظلومَ بدَفعِ أذى السُّلطانِ عنه، سواءٌ كان بمناصحتِه، أو بقولِ كَلِمةِ الحَقِّ عِندَه، وقد تبرَّأَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ممَّن يُعينُ الظَّالمَ على ظُلمِه، فقال: ((سيكونُ بعدي أُمَراءُ، فمَن دخل عليهم فصَدَّقَهم بكَذِبِهم وأعانهم على ظُلمِهم فليس منِّي ولستُ منه وليس بوارِدٍ علَيَّ الحوضَ، ومَن لم يدخُلْ عليهم ولم يُعِنْهم على ظُلمِهم ولم يُصَدِّقْهم بكَذِبِهم فهو منِّي وأنا منه وهو واردٌ عليَّ الحوضَ)) [9085] رواه الترمذي (2259) واللفظ له، والنسائي (4208)، وأحمد (18126). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (279)، وابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (215). .
واستحسَنَ عَمرُو بنُ العاصِ صِفاتٍ يتَّصِفُ بها الرُّومُ، فقال: (إنَّ فيهم لخِصالًا أربعًا: إنَّهم لأحلَمُ النَّاسِ عِندَ فتنةٍ، وأسرَعُهم إفاقةً بعدَ مُصيبةٍ، وأوشَكُهم كَرَّةً بعدَ فَرَّةٍ، وخَيرُهم لمسكينٍ ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامِسةٌ حَسَنةٌ جميلةٌ: وأمنَعُهم مِن ظُلمِ المُلوكِ) [9086] رواه مسلم (2898) مطوَّلًا. .
قولُه: («وأمنَعُهم»، أي: أمنَعُ النَّاسِ «مِن ظُلمِ المُلوكِ»، أي: إنَّهم يمنعون الملوكَ من الظُّلمِ أو أنَّهم يَحمون النَّاسَ مِن ظُلمِ المُلوكِ) [9087] ((الكوكب الوهاج)) للهرري (26/ 126). .
5- النُّصْرةُ بالجِهادِ:
النُّصْرةُ بالجِهادِ من الصُّوَرِ العظيمةِ؛ قال اللهُ تعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء: 75] .
أي: ولمَ لا تُجاهِدون -أيُّها المُؤمِنون- لإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ تعالى، وتجاهِدون للسَّعيِ في استنقاذِ الرِّجالِ والنِّساءِ والصِّبيانِ الذين غَلَبوا على أنفُسِهم بقَهرِهم وإيذائِهم وإذلالِهم وسَومِهم العذابَ، ولا يستطيعون حيلةً للهِجرةِ ولا يَهتدون إليها سَبيلًا [9088] يُنظَر: ((تفسير ابن جرير)) (7/224، 225)، ((تفسير ابن كثير)) (2/358)، ((تفسير السعدي)) (ص: 187)، ((تفسير ابن عثيمين - سورة النساء)) (1/528، 529). ؟
6- نُصرةُ الظَّالمِ بمَنْعِه من الظُّلمِ:
عن أنسٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انصُرْ أخاك ظالِمًا أو مظلومًا، فقال رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنصُرُه إذا كان مظلومًا، أفرأَيتَ إذا كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟ قال: تحجُزُه أو تمنَعُه مِن الظُّلمِ؛ فإنَّ ذلك نَصرُه)) [9089] رواه البخاري (6952). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (النُّصْرةُ عِندَ العَرَبِ: الإعانةُ والتَّأييدُ، وقد فسَّره رسولُ اللهِ أنَّ نَصْرَ الظَّالمِ مَنْعُه من الظُّلمِ؛ لأنَّه إذا تركْتَه على ظُلمِه ولم تَكُفَّه عنه، أدَّاه ذلك إلى أن يُقتَصَّ منه؛ فمَنْعُك له ممَّا يوجِبُ عليه القِصاصَ نَصْرُه، وهذا يدُلُّ مِن بابِ الحُكمِ للشَّيءِ، وتسميتِه بما يَؤولُ إليه) [9090] ((شرح صحيح البخاري)) (6/572). .

انظر أيضا: