موسوعة الأخلاق والسلوك

رابِعًا: أقسامُ النَّشاطِ


ينقَسِمُ النَّشاطُ إلى قِسمَينِ:
القِسمُ الأوَّلُ: النَّشاطُ المَحمودُ: وهو النَّشاطُ في الطَّاعاتِ والأُمورِ النَّافِعةِ؛ طَلَبًا لمَرضاةِ اللهِ.
القِسمُ الثَّاني: النَّشاطُ المَذمومُ: وهو ما لا ينفَعُ في الآخِرة، أو كان على وَجهِ الرِّياءِ [8983] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (5/291). .
قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الرَّجُلَ قد يبيتُ مع القَومِ في مَوضِعٍ، فيقومونَ للتَّهجُّدِ، أو يقومُ بَعضُهم فيُصَلُّونَ اللَّيلَ كُلَّه أو بَعضَه، وهو مِمَّن يقومُ في بَيتِه ساعةً قَريبةً، فإذا رَآهم انبَعَثَ نشاطُه للموافَقةِ، حتى يزيدَ على ما كان يعتادُه، أو يُصَلِّيَ، مع أنَّه كان لا يَعتادُ الصَّلاةَ باللَّيلِ أصلًا! وكذلك قد يقَعُ في مَوضِعٍ يصومُ فيه أهلُ المَوضِعِ، فينبَعِثُ له نشاطٌ في الصَّومِ، ولولاهم لما انبَعَثَ هذا النَّشاطُ، فهذا رُبَّما يُظَنُّ أنَّه رياءٌ، وأنَّ الواجِبَ تركُ الموافَقةِ، وليس كذلك على الإطلاقِ، بل له تفصيلٌ؛ لأنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ راغِبٌ في عِبادةِ اللهِ تعالى، وفي قيامِ اللَّيلِ وصيامِ النَّهارِ، ولكنْ قد تعوقُه العَوائِقُ، ويمنَعُه الاشتِغالُ، ويغلِبُه التَّمَكُّنُ مِن الشَّهَواتِ، أو تستَهويه الغَفلةُ، فرُبَّما تكونُ مُشاهَدةُ الغَيرِ سَبَبَ زَوالِ الغَفلةِ، أو تندَفِعُ العَوائِقُ والأشغالُ في بَعضِ المَواضِعِ، فينبَعِثُ له النَّشاطُ؛ فقد يكونُ الرَّجُلُ في مَنزِلِه فتَقطَعُه الأسبابُ عن التَّهَجُّدِ، مِثلُ تَمَكُّنِه مِن النَّومِ على فِراشٍ وثيرٍ، أو تَمَكُّنِه مِن التَّمَتُّعِ بزَوجَتِه، أو المُحادَثةِ مع أهلِه وأقارِبِه، أو الاشتِغالِ بأولادِه، أو مُطالَعةِ حِسابٍ له مع مُعامِليه، فإذا وقَعَ في مَنزِلٍ غَريبٍ اندَفَعَت عنه هذه الشَّواغِلُ التي تُفتِّرُ رَغبَته عن الخَيرِ، وحَصَلَت له أسبابٌ باعِثةٌ على الخَيرِ، كمُشاهدتِه إيَّاهم وقد أقبلوا على اللهِ، وأعرَضوا عن الدُّنيا؛ فإنَّه ينظُرُ إليهم فيُنافِسُهم، ويشُقُّ عليه أن يَسبِقوه بطاعةِ اللهِ، فتَتَحَرَّكُ داعيَتُه للدِّينِ لا للرِّياءِ، أو رُبَّما يُفارِقُه النَّومُ لاستِنكارِه المَوضِعَ أو سَبَبٍ آخَرَ، فيغتَنِمُ زَوالَ النَّومِ، وفي مَنزِلِه رُبَّما يغلِبُه النَّومُ، ورُبَّما ينضافُ إليه أنَّه في مَنزِلِه على الدَّوامِ، والنَّفسُ لا تسمَحُ بالتَّهَجُّدِ دائِمًا، وتَسمَحُ بالتَّهَجُّدِ وقتًا قَليلًا، فيكونُ ذلك سَبَبَ هذا النَّشاطِ، مع اندِفاعِ سائِرِ العَوائِقِ... وكذلك قد يَحضُرُ الإنسانَ يومَ الجُمُعةِ في الجامِعِ مِن نشاطِ الصَّلاةِ ما لا يحضُرُه كُلَّ يومٍ، ويُمكِنُ أن يكونَ ذلك لحُبِّ حَمدِهم، ويُمكِنُ أن يكونَ نشاطُه بسَبَبِ نشاطِهم، وزَوالِ غَفلَتِه بسَبَبِ إقبالِهم على اللهِ تعالى، وقد يتَحَرَّكُ بذلك باعِثُ الدِّينِ، ويُقارِنُه نُزوعُ النَّفسِ إلى حُبِّ الحَمدِ، فمَهما عُلِمَ أنَّ الغالِبَ على قَلبِه إرادةُ الدِّينِ فلا ينبَغي أن يَترُكَ العَمَلَ بما يجِدُه مِن حُبِّ الحَمدِ، بل ينبغي أن يَرُدَّ ذلك على نفسِه بالكَراهيةِ، ويشتَغِلَ بالعِبادةِ) [8984] ((إحياء علوم الدين)) (3/330، 331). .

انظر أيضا: