موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أخبرَتْه أنَّه ((استأذَن رجُلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ائذَنوا له، بئس أخو العَشيرةِ، أو ابنُ العَشيرةِ! فلمَّا دخَل ألان له الكلامَ. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، قُلْتَ الذي قلْتَ، ثُمَّ ألنْتَ له الكلامَ! قال: أيْ عائِشةُ، إنَّ شرَّ النَّاسِ مَن ترَكه النَّاسُ -أو وَدَعه النَّاسُ- اتِّقاءَ فُحشِه)) [8244] رواه البخاري (6131) واللفظ له، ومسلم (2591). .
(أي: لأجْلِ قُبحِ فِعلِه وقَولِه، أو لأجْلِ اتِّقاءِ فُحشِه، أي: مجاوزةِ الحَدِّ الشَّرعيِّ قولًا أو فعلًا، وهذا أصلٌ في نَدبِ المُداراةِ إذا ترتَّب عليها دَفعُ ضُرٍّ، أو جَلبُ نَفعٍ) [8245] ((فيض القدير)) للمناوي (2/454). .
- وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واستوصوا بالنِّساءِ خَيرًا؛ فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهَبْتَ تُقيمُه كَسَرتَه، وإن تركْتَه لم يَزَلْ أعوَجَ، فاستوصوا بالنِّساءِ خيرًا)) [8246] رواه البخاري (5186) واللفظ له، ومسلم (1468). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (وفي الحديثِ النَّدبُ إلى المُداراةِ لاستمالةِ النُّفوسِ، وتألُّفِ القلوبِ، وفيه سياسةُ النِّساءِ بأخذِ العَفوِ منهنَّ، والصَّبرِ على عِوَجِهنَّ، وأنَّ من رام تقويمَهنَّ فاته الانتفاعُ بهنَّ، مع أنَّه لا غنى للإنسانِ عن امرأةٍ يسكُنُ إليها، ويستعينُ بها على معاشِه، فكأنَّه قال: الاستمتاعُ بها لا يتِمُّ إلَّا بالصَّبرِ عليها) [8247] ((فتح الباري)) (9/253). .
- وعن هانئِ بنِ يزيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ موجباتِ المَغفِرةِ: بَذلُ السَّلامِ، وحُسنُ الكلامِ)) [8248] رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (146)، والطبراني (22/180) (469)، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (1140). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2232)، وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/246). .
قال المُناويُّ: (أي: إلانةُ القولِ للإخوانِ، واستعطافُهم على مَنهَجِ المُداراةِ، لا على طريقِ المداهنةِ والبُهتانِ) [8249] ((فيض القدير)) (2/454). .
- عن أمِّ حُصَينٍ الأسلميَّةِ رَضِيَ اللهُ عنها عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنْ أُمِّرَ عليكم عبدٌ مجَدَّعٌ أسوَدُ يقودُكم بكتابِ اللهِ تعالى، فاسمَعوا له وأطيعوا)) [8250] رواه مسلم (1298). .
والحديثُ فيه حَثٌّ على المُداراةِ، والموافَقةِ مع الوُلاةِ، وعلى التَّحرُّزِ عمَّا يثيرُ الفتنةَ، ويؤدِّي إلى اختلافِ الكَلِمةِ [8251] يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2558)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (5/297). .
- وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المؤمِنُ الذي يخالِطُ النَّاسَ ويصبرُ على أذاهم أعظَمُ أجرًا من المؤمِنِ الذي لا يخالِطُ النَّاسَ ولا يصبِرُ على أذاهم)) [8252] أخرجه ابن ماجه (4032) واللفظ له، وأحمد (5022) من حديثِ عبد الله بن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4032)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/94)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (5022)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/528). وأخرجه الترمذي (2507)، وابن أبي شيبة (26744)، والبيهقي (20670) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ شيخٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2507). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (لمَّا كانت مخالَطةُ الخَلقِ في إجماعٍ على الصَّبرِ على أذاهم أفضَلُ مِن تَركِهم، كان احتِمالُ مُداراةِ الخَلقِ، والصَّبرُ على تبايُنِ أخلاقِهم، وعُسرِ أخلاقِهم، وبُعدِ من يَبعُدُ عن الحَقِّ منهم: من جملةِ مقاماتِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ؛ فلأجْلِ ذلك قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "المؤمِنُ الذي يخالِطُ النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ من المؤمِنِ الذي لا يخالِطُ النَّاسَ ولا يصبِرُ على أذاهم"؛ فكان ذلك من الإيمانِ) [8253] ((الإفصاح)) (6/402-403). .

انظر أيضا: