موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، كيف تقولُ في رجُلٍ أحَبَّ قومًا، ولم يَلحَقْ بهم؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: المرءُ مع من أحبَّ)) [8108] رواه البخاري (6169) واللفظ له، ومسلم (2640). .
(يعني: من أحَبَّ قومًا بالإخلاصِ يكونُ مِن زُمرتِهم، وإن لم يعمَلْ عَمَلَهم؛ لثبوتِ التَّقارُبِ بَيْنَ قلوبِهم، وربَّما تؤدِّي تلك المَحَبَّةُ إلى موافقتِهم، وفيه حثٌّ على مَحَبَّةِ الصُّلَحاءِ والأخيارِ؛ رجاءَ اللَّحاقِ بهم والخَلاصِ من النَّارِ) [8109] ((عون المعبود)) (14/25). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (فدَلَّ هذا أنَّ من أحَبَّ عبدًا في اللهِ فإنَّ اللهَ جامِعٌ بَينَه وبينَه في جنَّتِه، ومُدخِلُه مُدخَلَه، وإنْ قَصَّر عن عَمَلِه، وهذا معنى قولِه: "ولم يَلحَقْ بهم". يعني في العمَلِ والمنزلةِ، وبيانُ هذا المعنى -واللهُ أعلَمُ- أنَّه لمَّا كان المحِبُّ للصَّالحين وإنَّما أحبَّهم من أجلِ طاعتِهم للهِ، وكانت المَحَبَّةُ عمَلًا من أعمالِ القُلوبِ واعتقادًا لها، أثاب اللهُ مُعتَقِدَ ذلك ثوابَ الصَّالحين؛ إذ النِّيَّةُ هي الأصلُ، والعَمَلُ تابعٌ لها، واللهُ يؤتي فَضْلَه من يشاءُ) [8110] ((شرح صحيح البخاري)) (9/333). .
وقال النَّوويُّ: (فيه فضلُ حُبِّ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والصَّالحين وأهلِ الخيرِ الأحياءِ والأمواتِ) [8111] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/186). .
وقال السَّعديُّ: (هذا الحديثُ فيه: الحثُّ على قوَّةِ مَحَبَّةِ الرُّسُلِ وأتباعِهم بحَسَبِ مراتِبِهم، والتَّحذيرُ من مَحَبَّةِ ضِدِّهم؛ فإنَّ المَحَبَّةَ دليلٌ على قوَّةِ اتصالِ المحِبِّ بمن يحِبُّه، ومناسبتِه لأخلاقِه، واقتدائِه به؛ فهي دليلٌ على وجودِ ذلك، وهي أيضًا باعثةٌ على ذلك) [8112] ((بهجة قلوب الأبرار)) (ص: 193). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ رَجُلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى، فأرصَدَ [8113] أرصد: أقام رصَدًا: أي: منتَظِرًا له. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) لابن الجوزي (3/ 577). اللهُ له على مَدْرَجَتِه [8114] المَدْرَجةُ: هي الطَّريقُ، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ الناسَ يَدرُجون عليها، أي: يَمضون ويَمشون. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 124). مَلَكًا، فلمَّا أتى عليه قال: أين تريدُ؟ قال: أريدُ أخًا لي في هذه القريةِ، قال: هل لك عليه من نِعمةٍ تَرُبُّها [8115] تَرُبُّها، أي: تقومُ بإصلاحِها وتَنهَضُ إليه بسَبَبِ ذلك. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 124). ؟ قال: لا، غيرَ أنِّي أحبَبْتُه في اللهِ عزَّ وجَلَّ، قال: فإنِّي رَسولُ اللهِ إليك بأنَّ اللهَ قد أحَبَّك كما أحبَبْتَه فيه)) [8116] رواه مسلم (2567). .
قال النَّوويُّ: (في هذا الحديثِ فَضلُ المَحَبَّةِ في اللهِ تعالى، وأنَّها سببٌ لحُبِّ اللهِ تعالى العَبدَ) [8117] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (16/124). .
وأيضًا فيه: (دليلٌ على عِظَمِ فَضلِ الحُبِّ في اللهِ، والتَّزاوُرِ فيه) [8118] ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص: 247). .
- وعن مُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذ بيَدِه، وقال: ((يا معاذُ، واللهِ إنِّي لأحِبُّك، واللهِ إنِّي لأحِبُّك، فقال: أوصيك يا مُعاذُ، لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِك، وشُكْرِك، وحُسنِ عِبادتِك)) [8119] أخرجه أبو داود (1522) واللفظ له، والنسائي (1303)، وأحمد (22119). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (2021)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (1010)، وابن كثير في ((البداية والنهاية)) (7/97)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/297). .
قولُه: (... ((أخَذ بيَدِه)). كأنَّه عَقَد مَحَبَّةً وبَيعةَ مَودَّةٍ. ((واللهِ إنِّي لأحِبُّك))... فيه أنَّ من أحَبَّ أحدًا يستحَبُّ له إظهارُ المَحَبَّةِ له. فقال: ((أوصيك يا مُعاذُ، لا تدَعَنَّ)) إذا أردْتَ ثباتَ هذه المَحَبَّةِ فلا تترُكَنَّ. ((في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ))، أي: عَقِبَها وخَلْفَها أو في آخِرِها ...) [8120] ((عون المعبود)) (4/269). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (وهذه مَنقَبةٌ عظيمةٌ لمعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ أنَّ نبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقسَم أنَّه يحِبُّه، والمحِبُّ لا يدَّخِرُ لحبيبِه إلَّا ما هو خيرٌ له) [8121] ((شرح رياض الصالحين)) (5/502). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تدخُلون الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكم)) [8122] رواه مسلم (54). .
قال النَّوويُّ: (فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا)). معناه: لا يَكمُلُ إيمانُكم ولا يَصلُحُ حالُكم في الإيمانِ إلَّا بالتَّحابِّ) [8123] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (2/36). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (ففي هذا دليلٌ على أنَّ المَحَبَّةَ من كمالِ الإيمانِ، وأنَّه لا يَكمُلُ إيمانُ العبدِ حتَّى يحِبَّ أخاه، وأنَّ من أسبابِ المَحَبَّةِ أن يفشِيَ الإنسانُ السَّلامَ بَيْنَ إخوانِه، أي: يُظهِرَه ويُعلِنَه، ويُسَلِّمَ على من لَقِيَه من المُؤمِنين، سواءٌ عَرَفه أو لم يَعرِفْه؛ فإنَّ هذا من أسبابِ المَحَبَّةِ؛ ولذلك إذا مرَّ بك رجلٌ وسَلَّم عليك أحبَبْتَه، وإذا أعرَضَ كرِهْتَه ولو كان أقرَبَ النَّاسِ إليك) [8124] ((شرح رياض الصالحين)) (3/265). .
- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه...)) وذكر منهم: ((ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليه وتفَرَّقا عليه)) [8125] رواه البخاري (660)، ومسلم (1031) مطوَّلًا. .
قال ابنُ الملقِّنِ: (قولُه: ((ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليه وتفَرَّقا عليه)) أي: اجتَمَعا على حُبِّ اللهِ وتفَرَّقا على حبِّه، وكان سَبَبُ اجتماعِهما حبَّ اللهِ، واستمرارَهما على ذلك حتَّى تفَرَّقا من مجلِسِهما وهما صادقانِ في حُبِّ كُلِّ واحدٍ منهما صاحِبَه في اللهِ حالَ اجتماعِهما وافتراقِهما، وفيه: الحثُّ على مِثلِ ذلك، وبيانُ عظيمِ فَضلِه، وهو من المُهِمَّاتِ؛ فإنَّ الحُبَّ في اللهِ والبُغضَ في اللهِ من الإيمانِ) [8126] ((التوضيح)) لابن الملقن (6/449). .
وقال الصَّنعانيُّ: (ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليه وتفَرَّقا عليه، أي: جمع بَيْنَهما الحُبُّ في اللهِ، وافتَرَقا بالموتِ عليه، لم يُفَرِّقْ بَيْنَهما عارِضٌ دُنيويٌّ، أو المرادُ: يحفظانِ الحُبَّ في اللهِ في الحُضورِ والغَيبةِ، وعُدَّت هذه خَصلةً واحدةً مع أنَّها ثنتانِ؛ لأنَّ المَحَبَّةُ لا تكونُ إلَّا بَيْنَ اثنينِ) [8127] ((التنوير)) (6/369). .

انظر أيضا: