موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نَماذِجُ في كَظمِ الغَيظِ عِندَ الصَّحابَةِ رَضيَ اللَّهُ عنهم


أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضي اللَّهُ عنه:
- عن أبي بَرْزَةَ، قال: (كُنتُ عِندَ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فتغَيَّظَ على رَجُلٍ، فاشتَدَّ عليه، فقُلتُ: تأذَنْ لي يا خليفةَ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم أضرِبُ عُنُقَه؟ قال: فأذهَبَت كَلِمَتي غَضَبَه، فقام فدخل، فأرسَلَ إليَّ، فقال: ما الذي قُلتَ آنِفًا؟ قُلتُ: ائذَنْ لي أضرِبُ عُنُقَه، قال: أكنتَ فاعِلًا لو أَمَرْتُك؟ قُلتُ: نعم، قال: لا واللهِ، ما كانَتْ لبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم) [8043] رواه أبو داود (4363) واللفظ له، والنسائي (4077)، وأحمد (61). صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4363)، وصحَّح إسنادَه ابنُ تيمية في ((الصارم المسلول)) (2/192)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (1/47)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (61)، وقال النَّسائيُّ: هذا الحديثُ أحسَنُ الأحاديثِ وأجوَدُها. .
قال الخَطَّابيُّ: (قال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ في معنى هذا الحَديثِ: أي: لم يكُنْ لأبي بَكرٍ أن يقتُلَ رَجُلًا إلَّا بإحدى الثَّلاثِ التي قالها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُفرٌ بَعدَ إيمانٍ، أو زِنًا بَعدَ إحصانٍ، أو قَتلُ نَفسٍ بغَيرِ نَفسٍ، وكان للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يقتُلَ. قُلتُ: وفيه دَليلٌ على أنَّ التَّعزيرَ ليس بواجِبٍ، وللإمامِ أن يُعزِّرَ فيما يستَحِقُّ به التَّأديبَ، وله أن يعفوَ فلا يفعَلَ ذلك) [8044] ((معالم السنن)) للخطابي (3/296). .
عُمَرُ بنُ الخَطَّاب رَضي اللَّه عنه:
- عن ابن عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما قال: (قدِم عُيَينةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيفةَ، فنزَل على ابنِ أخيه الحُرِّ بنِ قيسٍ، وكان مِن النَّفرِ الذين يُدنيهم عُمرُ، وكان القُرَّاءُ أصحابَ مجالِسِ عُمرَ ومُشاورتِه، كُهولًا كانوا أو شُبَّانًا، فقال عُيَينةُ لابنِ أخيه: يا بنَ أخي، هل لك وَجهٌ عندَ هذا الأميرِ، فاستأذِنْ لي عليه؟ قال: سأستأذِنُ لك عليه، قال ابنُ عبَّاسٍ: فاستأذَن الحُرُّ لعُيَينةَ، فأذِن له عُمرُ، فلمَّا دخَل عليه قال: هيْ [8045] هِيْ: كَلِمةٌ تقالُ في الاستزادةِ، وبمعنى التَّهديدِ. يُنظر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (25/31). يا بنَ الخطَّابِ! فواللهِ ما تُعطينا الجَزلَ [8046] الجَزْلُ: العَطاءُ الكثيرُ. يُنظَر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (25/37). ، ولا تحكُمُ بَينَنا بالعدلِ! فغضِب عُمرُ حتَّى همَّ أن يوقِعَ به، فقال له الحُرُّ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، إنَّ اللهَ تعالى قال لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عِنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] ، وإنَّ هذا مِن الجاهِلينَ، واللهِ ما جاوَزها عُمرُ حينَ تلاها عليه، وكان وقَّافًا عندَ كتابِ اللهِ) [8047] رواه البخاري (4642). .

انظر أيضا: