موسوعة الأخلاق والسلوك

 أ - نَماذِجُ في كظمِ الغَيظِ مِن حَياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


- عن أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كنتُ أمشي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه بُردٌ نَجرانيٌّ غليظُ الحاشيةِ، فأدركه أعرابيٌّ فجَذَبه جَذبةً شديدةً، حتى نظرْتُ إلى صفحةِ عاتِقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أثَّرَت به حاشيةُ الرِّداءِ من شِدَّةِ جَذبَتِه! ثمَّ قال: مُرْ لي من مالِ اللهِ الذي عندَك، فالتَفَت إليه فضَحِك، ثم أمَرَ له بعطاءٍ!)) [8037] رواه البخاري (3149) واللفظ له، ومسلم (1057). .
قال النَّوَويُّ: (فيه احتِمالُ الجاهلينَ، والإعراضُ عن مُقابَلَتِهم، ودَفعُ السَّيِّئَةِ بالحَسَنةِ، وإعطاءُ من يتَألَّفُ قَلبَه، والعَفوُ عن مُرتَكِبِ كبيرةٍ -لا حَدَّ فيها- بجَهلِه، وإباحَةُ الضَّحِكِ عِندَ الأُمورِ التي يُتَعجَّبُ منها في العادةِ، وفيه كمالُ خُلُقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحِلمِه وصَفحِه الجَميلِ) [8038] ((شرح النووي على مسلم)) (7/147). .
- عن عائِشةَ رضِي اللهُ عنها زوجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هل أتى عليك يومٌ كان أشَدَّ مِن يومِ أحُدٍ؟ قال: ((لقد لَقِيتُ مِن قومِك ما لقيتُ، وكان أشَدُّ ما لقيتُ منهم يومَ العَقَبةِ؛ إذ عرضْتُ نَفسي على ابنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عَبدِ كُلالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أردْتُ، فانطلقْتُ وأنا مهمومٌ على وَجهي، فلم أستفِقْ إلَّا وأنا بقَرنِ الثَّعالِبِ، فرفعْتُ رأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرْتُ فإذا فيها جِبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ قد سمِع قولَ قومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعَث اللهُ إليك ملَكَ الجِبالِ لتأمُرَه بما شئْتَ فيهم، فناداني ملَكُ الجِبالِ، فسلَّم عليَّ، ثُمَّ قال: يا مُحمَّدُ، فقال: ذلك فيما شئْتَ، إن شئْتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ [8039] الأخشبينِ: هما جبلا مكَّةَ قُعَيقِعانُ وأبو قُبَيسٍ، سُمِّيا بذلك لعِظَمِهما وخُشونتِهما. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 76). ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ مِن أصلابِهم مَن يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [8040] رواه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). .
قال ابنُ حَجَرٍ: (وفي هذا الحَديثِ: بَيانُ شَفَقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قَومِه، ومَزيدِ صَبرَه وحِلمِه، وهو موافِقٌ لقَولِه تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] ، وقَولِه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] ) [8041] ((فتح الباري)) (6/316). .
- وعن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: لَمَّا كان يومُ حُنَينٍ آثَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أناسًا في القِسمةِ، فأعطى الأقرَعَ بنَ حابِسٍ مائةً من الإبِلِ، وأعطى عُيَينةَ مِثلَ ذلك، وأعطى أناسًا من أشرافِ العَرَبِ فآثَرَهم يومَئذٍ في القِسمةِ، قال رجُلٌ: واللهِ إنَّ هذه القِسمةَ ما عُدِل فيها، وما أُريدَ بها وَجهُ اللهِ! فقلتُ: واللهِ لأخبِرَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتيتُه فأخبَرْتُه، فقال: ((فمَن يَعدِلُ إذا لم يَعدِلِ اللهُ ورسولُه؟! رَحِمَ اللهُ موسى قد أوذِيَ بأكثَرَ من هذا فصَبَر!)) [8042] رواه البخاري (3150) واللفظ له، ومسلم (1062). .

انظر أيضا: