موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ


- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قد أفلَح من أسلَمَ، ورُزِقَ كَفافًا، وقَنَّعه اللهُ بما آتاه)) [7625] رواه مسلم (1054). .
وقال المُناويُّ: (رُزِق كَفافًا، وقنَّعه اللهُ بالكَفافِ، فلم يَطلُبِ الزِّيادةَ) [7626] ((فيض القدير)) (4/508). .
وقال المُبارَكْفوريُّ: (... ((كَفافًا)) أي: ما يَكُفُّ من الحاجاتِ، ويدفَعُ الضَّروراتِ. ((وقنَّعه اللهُ)) أي: جعَله قانعًا بما آتاه) [7627] يُنظَر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/ 193)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (4/508). .
وقال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (معنى هذا الحديثِ: أنَّ مَن فَعَل تلك الأمورَ واتَّصف بها، فقد حَصَل على مطلوبِه، وظَفِر بمرغوبِه في الدُّنيا والآخِرةِ) [7628] ((المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم)) (3/99). .
- وعن فَضَالةَ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((طُوبى لمن هُدِيَ إلى الإسلامِ، وكان عَيشُه كَفافًا وقَنِعَ به)) [7629] أخرجه الترمذي (2349)، وأحمد (23944). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (705)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (98)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2349). .
(«عيشُه كَفافًا» أي: بقَدرِ كفايتِه، لا يَشغَلُه ولا يُطغيه) [7630] ((التيسير)) للمناوي (2/118). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يومًا يحَدِّثُ وعنده رجُلٌ من أهلِ الباديةِ، أنَّ رجُلًا من أهلِ الجنَّةِ استأذن ربَّه في الزَّرعِ، فقال له: ألسْتَ فيما شِئتَ؟! قال: بلى، ولكِنِّي أحِبُّ أن أزرَعَ! قال: فبَذَر، فبادَرَ الطَّرْفَ [7631] الطَّرْفُ: امتدادُ لحظِ الإنسانِ إلى أقصى ما يراه، ويُطلَقُ أيضًا على حركةِ جَفنِ العَينِ، وكأنَّه المرادُ هنا. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 27). فبادَرَ: أي سابقَه، أي: نبَت قَبلَ طَرفةِ عينٍ، واستوى واستحصَد. يُنظَر: ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (25/ 174)، ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (9/ 3600). نباتُه واستواؤُه واستِحصادُه، فكان أمثالَ الجبالِ! فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: دونَك [7632] ((دُونَك)) بالنَّصبِ على الإغراءِ، أي: خُذْه. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 27(. يا ابنَ آدَمَ؛ فإنَّه لا يُشبِعُك شيءٌ! فقال الأعرابيُّ: واللهِ لا تجِدُه إلَّا قُرَشيًّا أو أنصارِيًّا؛ فإنَّهم أصحابُ زَرعٍ، وأمَّا نحنُ فلَسْنا بأصحابِ زَرعٍ! فضَحِك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!)) [7633] رواه البخاري (2348). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (وقولُه: دونَك يا ابنَ آدَمَ، لا يُشبِعُك شَيءٌ: يدُلُّ على فضلِ القناعةِ، والاقتصارِ على البُلغةِ، وذَمِّ الشَّرَهِ والرَّغبةِ) [7634] ((شرح صحيح البخاري)) (6/489). .
- وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللَّهُمَّ اجعَلْ رِزقَ آلِ محمَّدٍ قُوتًا)) [7635] رواه البخاري (6460)، ومسلم (1055) واللفظ له. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (أي: اكْفِهم من القوتِ بما لا يُرهِقُهم إلى ذُلِّ المسألةِ، ولا يكونُ فيه فُضولٌ تبعَثُ على التَّرفُّهِ والتَّبسُّطِ في الدُّنيا. وفيه حُجَّةٌ لِمن فَضَّل الكَفافَ؛ لأنَّه إنَّما يدعو لنَفسِه وآلِه بأفضَلِ الأحوالِ) [7636] ((فتح الباري)) (11/275). .
وقال النَّوويُّ: (قال أهلُ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ: القُوتُ: ما يَسُدُّ الرَّمَقَ، وفيه فضيلةُ التَّقلُّلِ من الدُّنيا، والاقتصارِ على القُوتِ منها، والدُّعاءُ بذلك) [7637] ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (7/146). .
- وعن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: حدَّثنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو الصَّادِقُ المصدوقُ، قال: ((إنَّ أحَدَكم يُجمَعُ خَلقُه في بطنِ أمِّه أربعين يومًا، ثمَّ يكونُ عَلَقةً مِثلَ ذلك، ثمَّ يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلك، ثمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلكًا فيُؤمَرُ بأربَعِ كَلِماتٍ، ويقالُ له: اكتُبْ عَمَلَه، ورِزقَه، وأجَلَه، وشقيٌّ أو سعيدٌ...)) [7638] أخرجه البخاري (3208) واللفظ له، ومسلم (2643). .
(في الحديثِ: الحثُّ على القَناعةِ، والزَّجرُ الشَّديدُ عن الحِرصِ؛ لأنَّ الرِّزقَ إذا كان قد سَبَق لم يُغْنِ التَّعَنِّي في طَلَبِه) [7639] ((السراج المنير)) (2/73). .
- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنكِبي، فقال: ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابِرُ سَبيلٍ)) [7640] أخرجه البخاري (6416). .
قال ابنُ حِبَّانَ: (فقد أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ابنَ عُمَرَ في هذا الخبَرِ أن يكونَ في الدُّنيا كأنَّه غريبٌ أو عابِرُ سَبيلٍ، فكأنَّه أمَرَه بالقناعةِ باليسيرِ من الدُّنيا؛ إذ الغريبُ وعابرُ السَّبيلِ لا يَقصِدانِ في الغَيبةِ الإكثارَ من الثَّروةِ، بل القناعةُ إليهما أقرَبُ من الإكثارِ من الدُّنيا) [7641] ((روضة العقلاء)) (ص: 157). .

انظر أيضا: