موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ من الفَصاحةِ عِندَ السَّلَفِ


- قال الرَّبيعُ بنُ سُلَيمانَ: (لو رأيتَ الشَّافعيَّ وحُسنَ بيانِه وفصاحتَه لعَجِبتَ! ولو أنَّه ألَّف الكُتُبَ على عربيَّتِه التي يتكَلَّمُ بها في المناظَرةِ لم نقدِرْ على كُتُبِه؛ لفصاحتِه وغرائِبِ ألفاظِه، غيرَ أنَّه في تأليفِه يُوضِّحُ للعوامِّ) [7421] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 74). .
- دخَل الحَسَنُ بنُ الفَضلِ على بعضِ الخُلَفاءِ، وعندَه كثيرٌ من أهلِ العِلمِ، فأحبَّ الحَسَنُ أن يتكلَّمَ، فزَجَره، وقال: يا صبيُّ تتكَلَّمُ في هذا المقامِ؟ فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، إنْ كُنتُ صَبيًّا، فلسْتُ بأصغَرَ من هُدهُدِ سُلَيمانَ، ولا أنت بأكبَرَ من سُلَيمانَ عليه السَّلامُ حينَ قال: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل: 22] ، ثمَّ قال: ألم تَرَ أنَّ اللهَ فَهَّم الحُكمَ سُلَيمانَ، ولو كان الأمرُ بالكِبَرِ لكان داودُ أَولى [7422] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 56). ؟!
- وحُكيَ: أنَّ الباديةَ قَحِطَت في أيَّامِ هِشامٍ، فقَدِمَت عليه العَرَبُ، فهابوا أن يُكَلِّموه، وكان فيهم درواسُ بنُ حَبيبٍ، وهو ابنُ سِتَّ عشرةَ سنةً، له ذؤابةٌ، وعليه شملتانِ، فوقعت عليه عينُ هشامٍ، فقال لحاجِبِه: ما شاء أحدٌ أن يدخُلَ عليَّ إلَّا دخَل حتى الصِّبيانُ! فوثب درواسُ حتَّى وقف بَيْنَ يَدَيه مُطرِقًا، فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، إنَّ للكلامِ نَشرًا وطَيًّا، وإنَّه لا يُعرَفُ ما في طَيِّه إلَّا بنَشْرِه، فإن أذِنَ لي أميرُ المُؤمِنين أن أنشُرَه نَشَرتُه! فأعجبَه كلامُه، وقال له: انشُرْه للهِ دَرُّك! فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، إنَّه أصابتنا سِنونَ ثلاثٌ: سنةٌ أذابت الشَّحمَ، وسنةٌ أكلَت اللَّحمَ، وسنةٌ دَقَّت العَظمَ، وفي أيديكم فُضولُ مالٍ؛ فإن كانت للهِ ففَرِّقوها على عبادِه، وإن كانت لهم فعلامَ تحبِسونها عنهم، وإن كانت لكم فتصَدَّقوا بها عليهم؛ فإنَّ اللهَ يجزي المتصَدِّقين. فقال هشامٌ: ما ترك الغلامُ لنا في واحدةٍ من الثَّلاثِ عُذرًا! فأمر للبوادي بمائةِ ألفِ دينارٍ، وله بمائةِ ألفِ دِرهَمٍ، ثمَّ قال له: ألك حاجةٌ؟ قال: ما لي حاجةٌ في خاصَّةِ نفسي دونَ عامَّةِ المُسلِمين؛ فخرج مِن عندِه وهو من أجَلِّ القومِ [7423] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 56). !
- قيل للرَّشيدِ: إنَّ عبدَ المَلِكِ بنَ صالحٍ يُعِدُّ كَلامَه، ويُفَكِّرُ فيه؛ فلذلك بانت بلاغتُه، فأنكر ذلك الرَّشيدُ، وقال: هو طَبعٌ فيه. ثمَّ أمسَك حتَّى جاء يومًا، ودخل عبدُ المَلِكِ، فقال للفَضلِ بنِ الرَّبيعِ: إذا قَرُب من سريري فقُلْ له: وُلِد لأميرِ المُؤمِنين في هذه اللَّيلةِ ابنٌ، ومات له ابنٌ. فقال له الفَضلُ ذلك، فدنا عبدُ المَلِكِ، فقال: يا أميرَ المُؤمِنين، سَرَّك اللهُ فيما ساءَك، ولا ساءَك فيما سَرَّك، وجعلها واحدةً بواحدةٍ، ثوابُ الشَّاكرين، وأجرُ الصَّابرين! فلمَّا خرج قال الرَّشيدُ: أهذا الذي زعَموا أنَّه يتصنَّعُ للكلامِ؟! ما رأى النَّاسُ أطبَعَ من عبدِ المَلِكِ في الفَصاحةِ قَطُّ [7424] ((ديوان المعاني)) لأبي هلال العسكري (2/173). !

انظر أيضا: