موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِم رجلانِ من المشرِقِ فخَطَبا فعَجِب النَّاسُ لبيانِهما، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ من البيانِ لسِحرًا، أو: إنَّ بعضَ البيانِ لَسِحرٌ)) [7331] رواه البخاري (5767). .
والمرادُ بالبيانِ (اجتماعُ الفَصاحةِ والبلاغةِ، وذَكاءِ القَلبِ مع اللِّسانِ، وإنَّما شُبِّه بالسِّحرِ لحِدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القَلبِ له. يُضرَبُ في استحسانِ المنطِقِ، وإيرادِ الحُجَّةِ البالغةِ) [7332] ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (13/ 240). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُعطِيتُ جوامِعَ الكَلِمِ)) [7333] رواه مسلم (523) مطوَّلًا. .
قال ابنُ الأثيرِ: (وهو ما يسَّر اللهُ له من البلاغةِ والفَصاحةِ والوُصولِ إلى غوامِضِ المعاني، وبدائِعِ الحِكَمِ، ومحاسِنِ العباراتِ والألفاظِ التي أُغلِقَت على غيرِه وتعَذَّرَت، ومن كان في يدِه مفاتيحُ شَيءٍ مخزونٍ سَهُل عليه الوصولُ إليه) [7334] ((النهاية في غريب الحديث)) (3/407). .
- وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ من الشِّعرِ حِكمةً)) [7335] أخرجه البخاري (6145). .
قال ابنُ الجَوزيِّ: (الحِكمةُ: الكلامُ المُحكَمُ لَفظُه، الواقِعُ معناه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعجِبُه ذلك الفَنُّ من الشِّعرِ) [7336] ((كشف المشكل)) (2/67). .
وقال الكَرْمانيُّ: («إنَّ من الشِّعرِ لحِكمةً»، أي: كَلامًا نافعًا يمنعُ عن الجهلِ والسَّفَهِ، وهو ما نظَمَه الشُّعَراءُ من المواعِظِ والأمثالِ المنتَفِعِ بها النَّاسُ، والثَّناءِ على اللهِ ورسولِه، والنَّصيحةِ للمُسلِمين، وما أشبَهَ ذلك، وهذا النَّوعُ من الشِّعرِ محمودٌ وممدوحٌ، والشِّعرُ المذمومُ ما فيه كلامٌ قبيحٌ) [7337] ((شرح المصابيح)) (5/221). .
ولا ريبَ أنَّ الشِّعرَ اشتمل على كثيرٍ من فصيحِ كَلامِ العَرَبِ، وقد بثُّوا فيه من الحِكَمِ والتَّجارِبِ النَّافعةِ الشَّيءَ الكثيرَ.
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُبغِضُ البليغَ من الرِّجالِ، الذي يتخَلَّلُ بلسانِه تخَلُّلَ الباقِرةِ بلِسانِها)) [7338] أخرجه أبو داود (5005) واللفظ له، والترمذي (2853)، وأحمد (6543). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5005)، وقال الترمذي: (حسن غريب)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/53)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5005). .
قال المُناويُّ: («إنَّ اللهَ تعالى يُبغِضُ البليغَ من الرِّجالِ» أي: المُظهِرَ للتفَصُّحِ تِيهًا على الغيرِ وتفاصُحًا واستعلاءً، ووسيلةً إلى الاقتدارِ على تصغيرِ عَظيمٍ، أو تعظيمِ حَقيرٍ، أو بقَصدِ تعجيزِ غيرِه، أو تزيينِ الباطِلِ في صورةِ الحَقِّ، أو عَكسِه، أو إجلالِ الحُكَّامِ له ووجاهتِه وقَبولِ شفاعتِه، فلا ينافي كونَ الجَمالِ في اللِّسانِ، ولا أنَّ المروءةَ في البيانِ، ولا أنَّه زينةٌ من زينةِ الدُّنيا وبهاءٌ من بهائِها ... «الباقِرة»: جماعةُ البَقَرِ، «بلِسانِها»، أي: الذي يتشَدَّقُ بلسانِه كما تتشَدَّقُ البَقَرةُ، ووَجهُ الشَّبَهِ: إدارةُ لِسانِه حولَ أسنانِه وفَمِه حالَ التَّكلُّمِ كما تفعَلُ البقَرةُ بلِسانِها حالَ الأكلِ، وخَصَّ البَقَرةَ من بَيْنِ البهائمِ؛ لأنَّ سائِرَها تأخُذُ النَّباتَ بأسنانِها، والبَقَرةُ لا تحتَشُّ إلَّا بلِسانِها) [7339] ((فيض القدير)) (2/ 283). .
- وعن عَمرِو بنِ الشَّريدِ عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((رَدِفْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا، فقال: هل معك من شِعرِ أميَّةَ بنِ أبي الصَّلتِ شَيءٌ؟ قُلتُ: نعَمْ، قال: هِيهِ! فأنشَدْتُه بيتًا، فقال: هِيهِ! ثمَّ أنشَدْتُه بيتًا، فقال: هِيهِ! حتى أنشَدْتُه مائةَ بيَتٍ)) [7340] أخرجه مسلم (2255). .
(قولُه: «هِيهِ» كَلِمةٌ يريدُ بها المخاطَبُ استزادةَ المخاطِبِ من الشَّيءِ الذي بدأ فيه) [7341] ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/182-183). .
قال النَّوويُّ: (مقصودُ الحديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استحسَنَ شِعرَ أمَيَّةَ واستزاد من إنشادِه؛ لِما فيه من الإقرارِ بالوحدانيَّةِ والبعثِ؛ ففيه جوازُ إنشادِ الشِّعرِ الذي لا فُحشَ فيه وسماعِه، سواءٌ شِعرُ الجاهليَّةِ وغيرِهم، وأنَّ المذمومَ من الشِّعرِ الذي لا فُحشَ فيه إنَّما هو الإكثارُ منه وكونُه غالبًا على الإنسانِ، فأمَّا يسيرُه فلا بأسَ بإنشادِه وسماعِه وحِفظِه) [7342] ((شرح النووي على مسلم)) (15/12). .

انظر أيضا: