موسوعة الأخلاق والسلوك

سادِسًا: مَراتِبُ الصَّبرِ ودَرَجاتُه


ذَكَر ابنُ القَيِّمِ أربَعَ مَراتِبَ للصَّبرِ:
(إحداها: مَرتَبةُ الكمالِ، وهي مَرتَبةُ أولي العَزائِمِ، وهي الصَّبرُ للهِ وباللهِ.
فيكونُ في صَبرِه مُبتَغيًا وجهَ اللهِ صابرًا به، مُتَبَرِّئًا مِن حَولِه وقوَّتِه، فهذا أقوى المَراتِبِ وأرفعِها وأفضَلِها.
الثَّانيةُ: ألَّا يكونَ فيه لا هذا ولا هذا، فهو أخَسُّ المَراتِبِ وأردَأُ الخَلقِ، وهو جَديرٌ بكُلِّ خِذلانٍ وبكُلِّ حِرمانٍ.
الثَّالثةُ: مَرتَبةُ مَن فيه صَبرٌ باللهِ، وهو مُستَعينٌ مُتَوكِّلٌ على حَولِه وقوَّتِه، مُتَبَرِّئٌ مِن حَولِه هو وقوَّتِه، ولكِنْ صَبرُه ليسَ للهِ؛ إذ ليسَ صَبرُه فيما هو مُرادُ اللهِ الدِّينيُّ مِنه، فهذا ينالُ مَطلوبَه ويظفرُ به، ولكِن لا عاقِبةَ له، ورُبَّما كانت عاقِبَتُه شَرَّ العَواقِبِ، وفي هذا المَقامِ خُفَراءُ الكفَّارِ وأربابُ الأحوالِ الشَّيطانيَّةِ؛ فإنَّ صَبرَهم باللهِ لا للهِ ولا في اللهِ...
الرَّابعُ: مَن فيه صَبرٌ للهِ، لكِنَّه ضَعيفُ النَّصيبِ مِنَ الصَّبرِ به والتَّوكُّلِ عليه والثِّقةِ به والاعتِمادِ عليه، فهذا له عاقِبةٌ حَميدةٌ، ولكِنَّه ضَعيفٌ عاجِزٌ مَخذولٌ في كثيرٍ مِن مَطالبِه؛ لضَعفِ نَصيبِه مِن إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] ، فنَصيبُه مِنَ اللهِ أقوى مِن نَصيبِه باللهِ، فهذا حالُ المُؤمِنِ الضَّعيفِ.
 وصابرٌ باللهِ لا للهِ: حالُ الفاجِرِ القَويِّ، وصابِرٌ للهِ وباللهِ: حالُ المُؤمِنِ القَويِّ، والمُؤمِنُ القَويُّ خَيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعيفِ.
 فصابرٌ للهِ وباللهِ: عَزيزٌ حَميدٌ، ومَن ليسَ للهِ ولا باللهِ: مَذمومٌ مَخذولٌ، ومَن هو باللهِ لا للهِ: قادِرٌ مَذمومٌ، ومَن هو للهِ لا باللهِ: عاجِزٌ مَحمودٌ) [5597] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/450). .
وقال ابنُ حِبَّانَ في دَرَجاتِ الصَّبرِ: (وأوَّلُ دَرَجَتِه الاهتِمامُ، ثُمَّ التَّيقُّظُ، ثُمَّ التَّثَبُّتُ، ثُمَّ التَّصَبُّرُ، ثُمَّ الصَّبرُ، ثُمَّ الرِّضا، وهو النِّهايةُ في الحالاتِ) [5598] ((روضة العقلاء)) (ص: 161). .

انظر أيضا: