موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفرقُ بَينَ الصَّبرِ وبَعضِ الصِّفاتِ


الفرقُ بَينَ الصَّبرِ والتَّصَبُّرِ، والاصطِبارِ والمُصابَرةِ:
(الفرقُ بَينَ هذه الأسماءِ بحَسبِ حالِ العَبدِ في نَفسِه وحالِه مَعَ غَيرِه:
- فإن حَبسَ نَفسَه ومَنعَها عن إجابةِ داعي ما لا يحسُنُ، إن كان خُلُقًا له ومَلكةً سُمِّي صَبرًا.
- وإن كان بتَكلُّفٍ وتَمَرُّنٍ وتَجَرُّعٍ لمَرارَتِه سُمِّي تَصبُّرًا.
كما يدُلُّ عليه هذا البناءُ لُغةً؛ فإنَّه مَوضوعٌ للتَّكلُّفِ، كالتَّحَلُّمِ والتَّشَجُّعِ والتَّكرُّمِ والتَّحَمُّلِ ونَحوِها، وإذا تَكلَّفه العَبدُ واستَدعاه صارَ سَجيَّةً له.
كما في الحَديثِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْه اللهُ)) [5539] رواه مطوَّلًا البخاري (1469) واللفظ له، ومسلم (1053) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. . وكذلك العَبدُ يتَكلَّفُ التَّعَفُّفَ حتَّى يصيرَ التَّعَفُّفُ له سَجيَّةً، كذلك سائِرُ الأخلاقِ...
- وأمَّا الاصطِبارُ فهو أبلغُ مِنَ التَّصَبُّرِ:
فإنَّه افتِعالٌ للصَّبرِ بمَنزِلةِ الاكتِسابِ؛ فالتَّصَبُّرُ مَبدَأُ الاصطِبارِ، كما أنَّ التَّكسُّبَ مُقدِّمةُ الاكتِسابِ، فلا يزالُ التَّصَبُّرُ يتَكرَّرُ حتَّى يصيرَ اصطِبارًا.
- وأمَّا المُصابَرةُ فهي مُقاوَمةُ الخَصمِ في مَيدانِ الصَّبرِ:
فإنَّها مُفاعَلةٌ تَستَدعي وُقوعَها بَينَ اثنَينِ، كالمُشاتَمةِ والمُضارَبةِ؛ قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] ، فأمرهم بالصَّبرِ: وهو حالُ الصَّابرِ في نَفسِه، والمُصابرةِ: وهي حالةٌ في الصَّبرِ مَعَ خَصمِه، والمُرابَطةِ: وهي الثَّباتُ واللُّزومُ والإقامةُ على الصَّبرِ والمُصابَرةِ؛ فقد يصبرُ العَبدُ ولا يُصابرُ، وقد يُصابرُ ولا يُرابطُ، وقد يصبرُ ويُصابرُ ويُرابطُ مِن غَيرِ تَعَبُّدٍ بالتَّقوى، فأخبَرَ سُبحانَه أنَّ مِلاكَ ذلك كُلِّه التَّقوى، وأنَّ الفلاحَ مَوقوفٌ عليها، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] ، فالمُرابطةُ كما أنَّها لُزومُ الثَّغرِ الذي يُخافُ هجومُ العَدوِّ مِنه في الظَّاهرِ، فهي لُزومُ ثَغرِ القَلبِ؛ لئَلَّا يدخُلَ مِنه الهَوى والشَّيطانُ فيُزيلَه عن مَملكتِه) [5540] ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص: 41) بتصرف. .
الفرقُ بَينَ الصَّبرِ والاحتِمالِ:
(أنَّ الاحتِمالَ للشَّيءِ يُفيدُ كَظمَ الغَيظِ فيه، والصَّبرُ على الشِّدَّةِ يُفيدُ حَبسَ النَّفسِ عنِ المُقابَلةِ عليه بالقَول والفِعل، والصَّبرُ عنِ الشَّيءِ يُفيدُ حَبسَ النَّفسِ عن فِعلِه، وصَبَرتُ على خُطوبِ الدَّهرِ، أي: حَبَستُ النَّفسَ عنِ الجَزَعِ عِندَها، ولا يُستَعمَلُ الاحتِمالُ في ذلك؛ لأنَّك لا تَغتاظُ مِنه) [5541] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 22). .
الفرقُ بَينَ الصَّبرِ والحِلمِ:
(الفرقُ بَينَ الصَّبرِ والحِلمِ: أنَّ الصَّبرَ ثَمَرةُ الحِلمِ وموجَبُه، فعلى قَدرِ حِلمِ العَبدِ يكونُ صَبرُه، فالحِلمُ في صِفاتِ الرَّبِّ تعالى أوسَعُ مِنَ الصَّبرِ؛ ولهذا جاءَ اسمُه الحَليمُ في القُرآنِ في غَيرِ مَوضِعٍ، ولسَعَتِه يَقرُنُه سُبحانَه باسمِ العَليمِ، كقَولِه: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [5542] ((عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)) (ص: 276). .

انظر أيضا: