موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: مظاهِرُ وصُوَرُ الاعتِدالِ والوَسَطيَّةِ


من مظاهِرِ الاعتِدالِ والوَسَطيَّةِ:
1- الوَسَطيَّةُ في النَّومِ والقيامِ؛ قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَبُّ الصَّلاةِ إلى اللَّهِ صلاةُ داودَ، كان ينامُ نِصفَ اللَّيلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينامُ سُدُسَه)) [471] أخرجه البخاري (3420) واللفظ له، ومسلم (1159) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وعن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((دخَل عليَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعندي امرأةٌ، فقال: مَن هذه؟ فقلت: امرأةٌ لا تنامُ، تُصَلِّي، قال: عليكم من العَمَلِ ما تُطيقون)) [472] أخرجه البخاري (1151)، ومسلم (785) واللفظ له. .
2- الوَسَطيَّةُ في الصَّومِ والفِطرِ؛ قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَبُّ الصِّيامِ إلى اللَّهِ صيامُ داودَ؛ كان يصومُ يومًا ويُفطِرُ يومًا)) [473] أخرجه البخاري (3420) واللفظ له، ومسلم (1159) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. .
3- الزَّواجُ، وتَركُ الرَّهبانيَّةِ واتِّباعِ الشَّهَواتِ.
4- التَّوسُّطُ في البَذلِ والإنفاقِ، فلا يُسرِفْ ولا يَبخَلْ ويُقَتِّرْ.
قال المُعافى بنُ زَكَريَّا: (قال اللَّهُ عزَّ وجَلَّ: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] ، وقال تعالى ذِكرُه: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا [الإسراء: 29 - 30] ، وقال تقدَّست أسماؤُه: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26 - 27] .
فقد أبان لنا ربُّنا بفَضلِه وإنعامِه علينا في هذا البابِ قَصْدَ السَّبيلِ، وأوضح لنا محجَّةَ الاقتصادِ والتَّعديلِ، وبَيَّن أنَّ بَيْنَ الإسرافِ والتَّبذيرِ طريقًا أَمَمًا، وصراطًا قِيَمًا، فإيَّاه نسألُ توفيقًا لسَنَنِ أُولي الفَضلِ، وهدايتَنا سواءَ السَّبيلِ، وهو حَسْبُنا ونِعمَ الوكيلُ) [474] ((الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي)) (2/26، 27). .
5- الاعتِدالُ في طَلَبِ العِلمِ والتَّدرُّجُ في التَّعلُّمِ، رأى مُعَلِّمُ محمَّدِ بنِ داودَ بنِ الجَرَّاحِ على دَفتَرٍ له دمًا، فسأله عنه، فقال: إنِّي كنتُ على السِّراجِ أدرُسُ في اللَّيالي الحارَّةِ فأرعُفُ، فقال له: إنَّما تطلُبُ العِلمَ لنَفسِك، فإذا أتلَفْتَ نفسَك فما ينفَعُك عِلمُك؟! وقد قال عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ: إنَّ نفسي مَطيَّتي، فإذا حمَلْتُ عليها خسِرْتُها.
فقال له محمَّدٌ: قال بعضُ الأوائِلِ: إنْ لم تصبِرْ على تَعَبِ العِلمِ صَبَرتَ على شَقاءِ الجَهلِ.
فقال المعلِّمُ: صَدَق هذا القائِلُ، ولكِنْ تجاوُزُ الاعتِدالِ في طَلَبِ العِلمِ ربَّما أدَّى إلى تضييعِه) [475] ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)) لأبي هلال العسكري (ص: 87). .
وعن يونُسَ بنِ يَزيدَ، قال: قال لي ابنُ شِهابٍ: (يا يونُسُ، لا تكابِرِ العِلمَ؛ فإنَّ العِلمَ أوديةٌ، فأيُّها أخَذْتَ فيه قطَعَ بك قبل أن تبلُغَه، ولكِنْ خُذْه مع الأيَّامِ واللَّيالي، ولا تأخُذِ العِلمَ جُملةً؛ فإنَّ من رام أخْذَه جملةً ذَهَب عنه جملةً، ولكِنِ الشَّيءَ بَعدَ الشَّيءِ مع اللَّيالي والأيَّامِ) [476] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (1/ 431). .
6-تناوُلُ ما يحتاجُ إليه البَدَنُ من الطَّعامِ والشَّرابِ واللِّباسِ من غيرِ تقصيرٍ أو تجاوُزٍ؛ قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلوا واشرَبوا وتصَدَّقوا والبَسوا، ما لم يخالِطْه إسرافٌ أو مَخِيلةٌ)) [477] أخرجه النسائي (2559)، وابن ماجه (3605) واللفظ له، وأحمد (6695) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. حسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3605)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/78)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6695). .
وقال أحمد شوقي: (اجتَنِبِ التَّفريطَ والإفراطَ، تستَغْنِ عن بُقْراطَ) [478] ((أسواق الذهب)) (ص: 128). .
7- التَّوسُّطُ في الطَّهارةِ، فلا يُقَصِّرُ في غَسلِ الأعضاءِ، ولا يُبالِغُ حتَّى يَصِلَ إلى الوَسوَسةِ فيزيدَ عن المشروعِ.
8- التَّوسُّطُ في الأخذِ بأقوالِ العُلَماءِ؛ فما وافَق الحَقَّ أخَذ به، وما خالفه يُرَدُّ على قائِلِه كائنًا مَن كان.
قال ابنُ القَيِّمِ: (قَصَّر الشَّيطانُ بقومٍ حتَّى منعَهم قَبولَ أقوالِ أهلِ العِلمِ والالتِفاتَ إليها بالكُلِّيَّةِ، وتجاوَز بآخَرين حتَّى جعلوا الحلالَ ما حلَّلوه والحرامَ ما حَرَّموه، وقدَّموا أقوالَهم على سُنَّةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّحيحةِ الصَّريحةِ) [479] ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/ 204). .
وقال مُعاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (اجتَنِبوا من كلامِ الحكيمِ كُلَّ متشابهٍ، الذي إذا سمِعْتَه قلتَ: ما هذا؟ ولا يَثْنيك ذلك عنه) [480] ((الجامع)) لمعمر (11/ 363) رقم (20750). .
9- التَّوسُّطُ في الخُلطةِ والعُزلةِ؛ فلا ينعَزِلُ عن النَّاسِ بحيثُ يترُكُ شُهودَ الجُمَعِ والجماعاتِ ومجالِسِ العِلمِ، ولا يُكثِرُ من المخالطةِ فيَفسُدَ عليه قَلبُه وتضيعَ أوقاتُه.
10- وَسَطيَّةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ بَيْنَ فِرَقِ الضَّلالِ؛ فهم وَسَطٌ في بابِ أسماءِ اللَّهِ وصفاتِه، توسَّطوا في هذا البابِ بَيْنَ المُعَطِّلةِ وبَيْنَ المُمَثِّلةِ، وهم وَسَطٌ في بابِ القضاءِ والقَدَرِ، توسَّطوا في هذا البابِ بَيْنَ القَدَريَّةِ والجَبريَّةِ، وهم وَسَطٌ في بابِ الوعدِ والوعيدِ، توسَّطوا في هذا البابِ بَيْنَ الوعيديَّةِ وبَينَ المُرجِئةِ، وهم وَسَطٌ في بابِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، توسَّطوا في هذا البابِ بَيْنَ الشِّيعةِ وبَينَ الخوارجِ، إلى غيرِ ذلك [481] يُنظَر: ((قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر)) للقنوجي (ص: 66)، ((تسهيل العقيدة الإسلامية)) لعبد الله الجبرين (ص: 20) فما بعدها. .
وهم وَسَطٌ في أهلِ البيتِ بَيْنَ المُضَيِّعين لحُقوقِهم المُعادين لهم والمُغالين فيهم؛ يقولُ ابنُ القَيِّمِ: (وقَصَّر الشَّيطانُ بقومٍ حتَّى عادَوا أهلَ بيتِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقاتلوهم، واستحَلُّوا مِن حُرمتِهم، وتجاوَز بقومٍ حتَّى ادَّعَوا فيهم خصائِصَ النُّبُوَّةِ من العِصمةِ وغيرِها، وربَّما ادَّعَوا فيهم الإلهيَّةَ) [482] ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/ 205). .

انظر أيضا: