موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الشَّفَقةِ


الاعتقادُ بأنَّ الشَّفَقةَ تُمدَحُ في كُلِّ حالٍ، وفي كُلِّ موقِفٍ، وأنَّها مستحقَّةٌ لكُلِّ شخصٍ، وهذا اعتقادٌ خطأٌ؛ فالشَّفَقةُ قد تكونُ مذمومةً في بعضِ الأحوالِ ولبعضِ الأشخاصِ، وذلك إذا حصَل بسببِها تعطيلٌ لشرعِ اللهِ، أو تهاوُنٌ في تطبيقِ حدودِه وأوامِرِه، كمن يُشفِقُ على من ارتكَب جُرمًا يستَحِقُّ به حَدًّا، فيشفعُ له، ويحسَبُ أنَّ ذلك من الشَّفَقةِ على الخَلقِ، وهو ليس منها في شيءٍ، وكذلك إذا أدَّت الشَّفَقةُ إلى تركِ واجبٍ أو الوقوعِ في معصيةٍ فهي مذمومةٌ أيضًا.
قال الحسَنُ: (إن منَعَتْه أمُّه عن العِشاءِ في الجماعةِ شفقةً، لم يُطِعْها) [5263] رواه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث (644) واللفظ له، ورواه موصولًا ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (2/275). .
قال العَينيُّ: (يعني: إن منعَتِ الرَّجُلَ أمُّه عن الحضورِ إلى صلاةِ العِشاءِ مع الجماعةِ شَفقةً عليه -أي: لأجْلِ الشَّفَقةِ- لم يُطِعْ أمَّه فيه، مع أنَّ طاعةَ الوالِدَين فرضٌ في غيرِ المعصيةِ، وإنَّما عَيَّنَ العِشاءَ، مع أنَّ الحُكمَ في كُلِّ الصَّلواتٍ سواءٌ؛ لكونِها من أثقَلِ الصَّلاةِ على المنافِقين... وإنَّما عَيَّنَ الأمَّ مع أنَّ الأبَ كذلك في وجوبِ طاعتِهما؛ لأنَّ الأمَّ أكثَرُ شَفقةً من الأبِ على الأولادِ) [5264] ((عمدة القاري)) (5/159). .
أو كمَن يُشفِقُ على الطُّلابِ فيتركُهم يغشُّون في الامتحانِ شَفَقةً منه عليهم أن يَرسُبوا.
أو كمَن يقتُلُ من الأطبَّاءِ -بدافِعِ الشَّفَقةِ- مرضاهم الذين لا يُرجى شِفاؤُهم، ويتألَّمون من مرَضِهم؛ فكُلُّ هذا مما لا تجوزُ فيه الشَّفَقةُ.

انظر أيضا: