موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- عن أسلَمَ: (أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه استعمل مولًى له -يُدعى هُنَيًّا- على الحِمى [5180] الحِمَى: أحميتُ المكانَ فهو محمِيٌّ: إذا جعَلْتَه حِمًى. وهذا شيءٌ حِمًى: أي: محظورٌ لا يُقرَبُ، وحميتُه حمايةً: إذا دفَعْتَ عنه ومنَعْتَ منه من يَقرَبُه. يُنظَر: ((النهاية في غريب الأثر)) لابن الأثير (1/1055). ، فقال: يا هُنَيُّ، اضمُمْ جناحَك عن المُسلِمين، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّ دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ) [5181] رواه البخاري (3059) مطولًا. .
قال العَينيُّ: (قولُه: اضمُمْ جناحَك. ضَمُّ الجناحِ: كنايةٌ عن الرَّحمةِ والشَّفَقةِ، وحاصِلُ المعنى: كُفَّ يَدَك عن ظُلمِ المُسلِمين) [5182] ((عمدة القاري)) (14/304). .
- وعن عبدِ المَلِكِ بنِ حُمَيدٍ قال: كُنَّا مع عبدِ المَلِكِ بنِ صالحٍ بدِمَشقَ فأصاب كتابًا في ديوانِ دِمَشقَ: (بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، من عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، إلى معاويةَ بنِ أبي سفيانَ، سلامٌ عليك، فإنِّي أحمدُ إليك اللهَ الذي لا إلهَ إلا هو، عصمَنا اللهُ وإيَّاك بالتَّقوى... أمَّا بعدُ؛ فإنَّك من ذوي النُّهى من قُريشٍ، وأهلِ الحِلمِ والخُلُقِ الجميلِ منها، فلْيَصدُرْ رأيُك بما فيه النَّظَرُ لنفسِك، والتَّقيَّةُ على دينِك، والشَّفَقةُ على الإسلامِ وأهلِه؛ فإنَّه خيرٌ لك، وأوفَرُ لحظِّك في دنياك وآخِرتِك) [5183] رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (27/415). .
- وقال الجُنَيدُ عندما سُئِل عن الشَّفَقةِ على الخَلقِ ما هي: (تعطيهم من نفسِك ما يَطلُبون، ولا تُحَمِّلْهم ما لا يُطيقون، ولا تخاطِبْهم بما لا يَعلَمون) [5184] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (10/424). .
- وقال أبو الخيرِ: (القلوبُ ظروفٌ؛ فقلبٌ مملوءٌ إيمانًا، فعلامتُه الشَّفَقةُ على جميعِ المُسلِمين، والاهتمامُ بما يُهِمُّهم، ومعاونتُهم على أن يعودَ صلاحُه إليهم. وقلبٌ مملوءٌ نفاقًا، فعلامتُه الحِقدُ والغِلُّ والغِشُّ والحَسَدُ) [5185] ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (66/161). .
- وسُئِل سَهلٌ التُّسْتَريُّ عن حُسنِ الخُلُقِ، فقال: (أدناه الاحتمالُ، وتَركُ المكافأةِ والرَّحمةِ للظَّالمِ، والاستغفارُ له والشَّفَقةُ عليه) [5186] ((إحياء علوم الدين)) لأبي حامد الغزالي (3/53). .
- وقال ابنُ حِبَّانَ: (لا يحِلُّ التَّباغُضُ ولا التَّنافُسُ ولا التَّحاسُدُ ولا التَّدابُرُ بينَ المسلِمين، والواجِبُ عليهم أن يكونوا إخوانًا كما أمرَهم اللهُ ورسولُه؛ فإذا تألَّم واحدٌ منهم تألَّم الآخَرُ بتألُّمِه، وإذا فَرِح فَرِح الآخَرُ بفَرَحِه بنفيِ الغِشِّ والدَّغلِ، مع استسلامِ الأنفُسِ للهِ عزَّ وجَلَّ مع الرِّضا بما يوجِبُ القضاءَ في الأحكامِ كُلِّها، ولا يجِبُ الهِجرانُ بَينَ المسلِمين عندَ وُجودِ زَلَّةٍ من أحَدِهما، بل يجِبُ عليهما صرفُها إلى الإحسانِ والعطفِ عليه بالإشفاقِ وتركِ الهِجرانِ) [5187] ((روضة العقلاء)) (ص: 204). .
- وقال أبو عبدِ الرَّحمنِ السُّلَميُّ: (سمِعتُ ابنَ سالمٍ وسُئِل: بماذا يُعرَفُ الأولياءُ في الخَلقِ؟ فقال: بلُطفِ لسانِهم، وحُسنِ أخلاقِهم، وبشاشةِ وُجوهِهم، وسخاءِ أنفُسِهم، وقِلَّةِ اعتراضِهم، وقَبولِ عُذرِ مَن اعتذر إليهم، وتمامِ الشَّفَقةِ على جميعِ الخلائِقِ بَرِّهم وفاجِرِهم) [5188] ((طبقات الصوفية)) (ص: 313). .
- وقال أبو حامِدٍ الغَزاليُّ فيما ينبغي على المعَلِّمِ تجاهَ طُلَّابِه: (الوظيفةُ الأُولى: الشَّفَقةُ على المتعَلِّمين وأن يُجرِيَهم مجرى بَنيه) [5189] ((إحياء علوم الدين)) (1/55). .
- وقال أيضًا: (أخسِسْ بأخٍ يراك والكلابُ تفتَرِسُك وتمَزِّقُ لحومَك، وهو ساكِتٌ لا تحَرِّكُه الشَّفَقةُ والحَمِيَّةُ للدَّفعِ عنك!) [5190] ((إحياء علوم الدين)) (2/181). .
وقال السَّفيريُّ: (كُنْ رحيمًا لنفسِك ولغيرِك، ولا تستَبِدَّ بخيرِك؛ فارحَمِ الجاهِلَ بعِلمِك، والذَّليلَ بجاهِك، والفقيرَ بمالِك، والكبيرَ والصَّغيرَ بشَفَقتِك ورأفتِك، والعُصاةَ بدعوتِك، والبهائِمَ بعَطفِك؛ فأقرَبُ النَّاسِ من رحمةِ اللهِ أرحمُهم بخَلقِه؛ فمَن كَثُرت منه الشَّفَقةُ على خَلقِه والرَّحمةُ على عبادِه، رحمه اللهُ برحمتِه، وأدخَله دارَ كرامتِه، ووقاه عذابَ قبرِه، وهولَ مَوقِفِه، وأظلَّه بظِلِّه؛ إذ كُلُّ ذلك من رحمتِه) [5191] ((المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية)) (2/ 50، 51). .
- وقال المُناويُّ: (الشَّفَقةُ تحنُّنُ الرَّأفةِ، والإكبابُ على من يُشفِقُ عليه، وإنما يصيرُ مُنكَبًّا بشِدَّةِ الرَّأفةِ، فإذا كانت الشَّفَقةُ بغيرِ مِعَةٍ مشتقَّةٌ من أمعاءِ البطنِ انتَشَرت فأفسدَت، وإذا كانت في مِعةٍ كانت في حِصنٍ، فلم تنتَشِرْ، ولم تَفسُدْ؛ لأنَّ هنا حَدًّا يحويها) [5192] ((فيض القدير)) (2/529). .

انظر أيضا: