موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ الصَّحابةِ


- سكينةُ فاطِمةَ رَضِيَ اللهُ عنها:
عن عائِشةَ أمِّ المؤمِنين رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سَمتًا ودلًّا وهَدْيًا برَسولِ اللهِ في قيامِها وقُعودِها من فاطِمةَ بنتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [4725] أخرجه أبو داود (5217)، والترمذي (3872) واللفظُ له، مُطَوَّلًا. صححَّه ابن حبان في ((صحيحه)) (6953)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (7715)، والنووي في ((الترخيص بالقيام)) (42)، وقال الترمذيُّ: حسَنٌ غريبٌ. .
قال القاريُّ: (سَمتًا) أي: هَيئةً وطريقةً كانت عليها من السَّكينةِ والوقارِ. والمرادُ به هيئةُ أهلِ الخيرِ والتَّزَيِّي بزِيِّ الصَّالحينَ (وهَدْيًا) أي: سيرةً وطريقةً. (ودَلًّا) بفتحِ دالٍ وتشديدِ لامٍ، فسَّرَه الرَّاغبُ بحُسنِ الشَّمائِلِ، وأصلُه مِن دَلِّ المرأةِ، وهو شَكلُها وما يُستحسَنُ منها [4726] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح)) (7/ 2969). .
وقال التَّورِبِشتيُّ: (كأنَّها أشارت بالسَّمتِ إلى ما يُرى على الإنسانِ من الخُشوعِ والتَّواضُعِ للهِ، وبالهَدْيِ: إلى ما يتحَلَّى به من السَّكينةِ والوقارِ، وإلى ما يَسلُكُه من المنهَجِ المَرضيِّ، وبالدَّلِّ: إلى دَماثةِ الخُلُقِ وحُسنِ الحديثِ) [4727] ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) (3/ 1030). .
- السَّكينةُ على لسانِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه:
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (وما نُبعِدُ أنَّ السَّكينةَ تَنطِقُ على لسانِ عُمَرَ) [4728] رواه من طرقٍ: عبدُ اللهِ بنُ أحمد في ((زوائد المسند)) (834) واللفظ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5549)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/328). صحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/147)، وحسَّنه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/70)، والشوكاني في ((در السحابة)) (101)، والألباني في تخريج ((مشكاة المصابيح)) (5989)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (834). .
- عليُّ بنُ أبي طالبٍ يأمُرُ بالسَّكينةِ ويحُثُّ عليها أصحابَه يومَ صِفِّينَ:
- قال عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: (معاشِرَ المُسلِمين استَشْعِروا الخَشيةَ، وغُضُّوا الأصواتَ، وتجَلْبَبوا السَّكينةَ ...) [4729] رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (42/460). .
- السَّكينةُ تنزِلُ على رجُلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرَأُ القرآنَ:
عن البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بينما رجلٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرَأُ وفرَسٌ له مربوطٌ في الدَّارِ، فجَعَل يَنفِرُ، فخرج الرَّجلُ فنظَرَ فلم يَرَ شيئًا، وجعَل يَنفِرُ، فلمَّا أصبح ذكَرَ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: السَّكينةُ تنَزَّلت بالقُرآنِ)) [4730] أخرجه البخاري (4839) واللفظ له، ومسلم (795). .
قال النَّوويُّ: (قيل في معنى السَّكينةِ هنا أشياءُ، المختارُ منها أنَّها شيءٌ من مخلوقاتِ اللهِ تعالى فيه طُمَأنينةٌ ورحمةٌ) [4731] ((شرح النووي على مسلم)) (6/82). .
- سكينةُ خُبَيبِ بنِ عَدِيٍّ الأنصاريِّ حينَ أحاط به المُشرِكون لقَتْلِه:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشَرةً، منهم خُبَيبٌ الأنصاريُّ، فأخبرني عبيدُ اللهِ بنُ عِياضٍ أنَّ ابنةَ الحارِثِ أخبَرَتْه أنَّهم حين اجتَمَعوا استعار منها موسى يستَحِدُّ بها، فلمَّا خرجوا من الحَرَمِ لِيَقتُلوه، قال خُبَيبٌ الأنصاريُّ:
ولستُ أبالي حينَ أقتَلُ مُسلِمًا
على أيِّ شِقٍّ كان للهِ مَصْرَعي
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ
يبارِكْ على أوصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ) [4732] أوصالُ: جمعُ وصلٍ، أي: عُضوٍ، والشِّلْوُ: الجسَدُ، أي: على أعضاءِ جَسَدٍ. ممزَّع: مُقَطَّع. يُنظَر: ((إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)) للقسطلاني (6/ 314).
فقَتَله ابنُ الحارِثِ، فأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه خبَرَهم يومَ أُصيبوا) [4733] أخرجه البخاري (7402). .
- سكينةُ الصَّحابةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأصحابُه عندَه كأنَّما على رُؤوسِهم الطَّيرُ) [4734] أخرجه أبو داود (3855)، وأحمد (18477(. صحَّحه ابنُ دقيق العيد في الاقتراح (ص: 95)، وقال شعيب في تخريج سير أعلام النبلاء (14/29): حسنٌ صحيحٌ، صحَّح إسناده العراقي في تخريج الإحياء (2/444). .
 قال السِّنديُّ: (قولُه: كأنَّما على رُؤوسِهم الطَّيرُ، كنايةٌ عن سُكونِهم ووقارِهم في حَضرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ الطَّيرَ لا تكادُ تَقَعُ إلَّا على شيءٍ ساكِنٍ) [4735] ((فتح الودود في شرح سنن أبي داود)) (4/ 5). .

انظر أيضا: