موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- نماذِجُ من السَّكينةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


من أوصافِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّكينةُ الباعثةُ على الهَيبةِ والتَّعظيمِ، الدَّاعيةُ إلى التَّقديمِ والتَّسليمِ، وكان أعظَمَ مَهيبٍ في النُّفوسِ، حتى ارتاعت رُسُلُ كِسرى من هَيبتِه حين أتَوه، مع ارتياضِهم بصَولةِ الأكاسِرةِ، ومكاثَرةِ المُلوكِ الجبابرةِ؛ فكان في نفوسِهم أهيَبَ، وفي أعيُنِهم أعظَمَ، وإنْ لم يتعاظَمْ بأُبَّهةٍ، ولم يتطاوَلْ بسَطوةٍ، بل كان بالتَّواضُعِ مَوصوفًا، وبالوِطاءِ مَعروفًا [4719] يُنظَر: ((أعلام النبوة)) للماوردي (1/254). .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ فَزِع النَّاسُ:
عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ، وأجوَدَ النَّاسِ، وأشجَعَ النَّاسِ، ولقد فَزِع أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ، فانطلق النَّاسُ قِبَلَ الصَّوتِ، فاستقبَلَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد سَبَق النَّاسَ إلى الصَّوتِ! وهو يقولُ: لن تُراعُوا، لن تُراعُوا! وهو على فَرَسٍ لأبي طَلحةَ عُرْيٍ ما عليه سَرْجٌ! في عُنُقِه سَيفٌ، فقال: لقد وجَدْتُه بحرًا، أو: إنَّه لبَحرٌ)) [4720] أخرجه البخاري (6033) واللفظ له، ومسلم (2307). .
(«لن تُراعوا» معناه: لا فَزَعَ ولا رَوعَ؛ فاسْكُنوا) [4721] ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) للتوربشتي (4/ 1257). .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتثبيتُه لصاحبِه أبي بكرٍ في الغارِ وقد حاصَرَهما الكُفَّارُ:
عن أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا في الغارِ: لو أنَّ أحَدَهم نظَر تحتَ قَدَميه لأبصَرَنا، فقال: ما ظَنُّك يا أبا بكرٍ باثنينِ اللهُ ثالِثُهما؟!)) [4722] أخرجه البخاري (3653) واللفظ له، ومسلم (2381). .
- سكينتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مواجَهةِ ما تَعرَّض له من صُنوفِ الأذى:
عن عُروةَ، أنَّ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حدَّثَتْه أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هل أتى عليكَ يومٌ كان أشَدَّ من يومِ أُحُدٍ؟ فقال: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وكانَ أَشَدَّ ما لَقِيتُ منهم يَومَ العَقَبَةِ؛ إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي على ابنِ عبدِ يَالِيلَ بنِ عبدِ كُلَالٍ، فلم يُجِبْني إلى ما أرَدْتُ، فانطَلَقْتُ وأنا مَهمومٌ على وَجْهي، فلم أسْتَفِقْ إلَّا بقَرنِ الثَّعَالِبِ، فرَفَعْتُ رَأسي فإذا أنا بسَحابةٍ قد أظَلَّتنِي، فنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَث إليك ملَكَ الجِبالِ لتَأمُرَه بما شِئتَ فيهم، قال: فناداني مَلَكُ الجِبالِ وسَلَّم عَلَيَّ، ثمَّ قال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ قد سمِعَ قَولَ قَومِك لك، وأنا مَلَكُ الجِبالِ وقد بعثَني ربُّك إليكَ لتَأمُرَني بأمْرِك، فما شِئتَ، إنْ شِئتَ أن أُطبِقَ عليهم الأخشَبَينِ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبُدُ اللهَ وَحدَه لا يُشرِكُ به شيئًا)) [4723] أخرجه البخاري (3231) واللفظ له، ومسلم (1795). .
ويقولُ ابنُ القَيِّمِ في وَصفِ سكينتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وكذلك السَّكينةُ التي حصلت لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد أشرف عليه وعلى صاحِبِه عَدُوُّهما، وهما في الغارِ، فلو نظر أحدُهم إلى تحتِ قَدَميه لرآهما. وكذلك السَّكينةُ التي نزلت عليه في مواقِفِه العظيمةِ، وأعداءُ اللهِ قد أحاطوا به، كيومِ بَدرٍ، ويومِ حُنَينٍ، ويومِ الخندَقِ وغيرِه. فهذه السَّكينةُ أمرٌ فوقَ عُقولِ البَشَرِ، وهي من أعظَمِ مُعجزاتِه عندَ أربابِ البصائرِ) [4724] ((إعلام الموقعين)) (4/201). .

انظر أيضا: