موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعًا: أخطاءٌ شائعةٌ


- قد يُظَنُّ أنَّ الرِّفْقَ بالنَّفسِ أن يُلبِّيَ لها ما تريدُه من شهَواتِها، أو أنَّ الرِّفْقَ بالنَّاسِ أن يأتيَ إليهم ما يشتَهون، وهذا خطَأٌ.
قال ابنُ الجوزيِّ: (البَدَنُ مَطيَّةٌ، والمَطيَّةُ إذا لم يُرفَقْ بها، لم تَصِلْ براكِبِها إلى المنزِلِ، وليس مرادي بالرِّفْقِ الإكثارَ من الشَّهواتِ، وإنَّما أعني أخْذَ البُلغةِ [4346] البُلغةُ: ما يُتبَلَّغُ به من العَيشِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (4/ 1317). الصَّالحةِ للبَدَنِ، فحينَئذٍ يصفو الفِكرُ، ويصِحُّ العَقلُ، ويقوى الذِّهنُ) [4347] ((صيد الخاطر)) (ص: 96). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (قد يظُنُّ بعضُ النَّاسِ أنَّ معنى الرِّفْقِ أن تأتيَ للنَّاسِ على ما يشتهون ويريدون، وليس الأمرُ كذلك، بل الرِّفْقُ أن تسيرَ بالنَّاسِ حَسَبَ أوامرِ اللهِ ورَسولِه، ولكِنْ تسلُكُ أقرَبَ الطُّرُقِ وأرفَقَ الطُّرُقِ بالنَّاسِ) [4348] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/634). .
- قد يُظَنُّ أنَّ الرِّفْقَ يكونُ مُطلَقًا بلا ضوابِطَ ولا مراعاةٍ للمصالحِ والمفاسِدِ، وهذا خطأٌ، فالرِّفْقُ له ضوابطُ؛ منها:
- أن يكونَ الرِّفْقُ لينًا من غيرِ ضَعفٍ؛ فاللِّينُ مع الضَّعفِ عَجزٌ.
- أن يكونَ الرِّفْقُ تيسيرًا في الدِّينِ من غيرِ تفريطٍ فيه، فليس من الرِّفْقِ دعوةُ النَّاسِ إلى التَّساهُلِ في الدِّينِ، والعدولِ عن السَّبيلِ القويمِ، وليس منه أيضًا التَّسامُحُ مع من يترُكُ المأموراتِ، أو يقترِفُ المحظوراتِ، أو يُعَطِّلُ الحدودَ أو يتهاوَنُ فيها؛ لِما في ذلك من إثمٍ كبيرٍ.
قال عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أهدِيَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرُّوجُ [4349] الفَرُّوجُ: قَباءٌ له شِقٌّ مِن خَلفِه. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 52). حريرٍ فلبِسَه، ثمَّ صلَّى فيه، ثمَّ انصرف فنزعه نزعًا شديدًا كالكارِهِ له، ثمَّ قال: لا ينبغي هذا للمتَّقين)) [4350] أخرجه البخاري (5801)، ومسلم (2075).
قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: "فنزعه نزعًا شديدًا" زاد أحمدُ...: "عنيفًا" أي: بقوَّةٍ ومبادرةٍ لذلك، على خلافِ عادتِه في الرِّفْقِ والتَّأنِّي، وهو ممَّا يؤكِّدُ أنَّ التَّحريمَ وَقَع حينَئذٍ) [4351] ((فتح الباري)) (10/ 270). .
- أن يُستعمَلَ الرِّفْقُ في موضِعِه استعمالًا حكيمًا:
فالعُنفُ في محَلِّه حَسَنٌ، كما أنَّ الرِّفْقَ في محَلِّه حَسَنٌ [4352] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 186). . قال سفيانُ لأصحابِه: (تدرون ما الرِّفْقُ؟ قالوا: قلْ يا أبا محمَّدٍ، قال: أن تضَعَ الأمورَ في مواضِعِها؛ الشِّدَّةُ في موضِعِها، واللِّينُ في موضِعِه، والسَّيفُ في موضِعِه، والسَّوطُ في مَوضِعِه) [4353] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/186). .

انظر أيضا: