موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: درجاتُ حُسنِ العِشرةِ والجوارِ


حُسنُ العِشرةِ والجوارِ على ثلاثِ دَرَجاتٍ:
الأولى: كفُّ الأذى، فلا يؤذي جليسًا ولا جارًا ولا أحدًا بقولٍ أو فعلٍ أو نظرةٍ؛ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، واللهِ لا يؤمِنُ، قيل: ومَن يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: الذي لا يأمَنُ جارُه بوائِقَه [3286] البوائقُ: الغوائِلُ والدواهي، أي: من لا يؤمَنُ شَرُّه ولا مضَرَّتُه. يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (1/ 283). ) [3287] أخرجه البخاري (6016) من حديثِ أبي شرَيحٍ الخُزاعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال الشَّاعِرُ:
وأغُضُّ طَرْفي إن بَدَتْ لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها [3288] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (6/ 3). .
وشكا بعضُهم كثرةَ الفأرِ في دارِه، فقيل له: لو اقتَنَيتَ هِرًّا، فقال: أخشى أن يسمعَ الفأرُ صوتَ الِهرِّ فيَهرُبَ إلى دورِ الجيرانِ، فأكونَ قد أحبَبْتُ لهم ما لا أحِبُّ لنفسي [3289] ((الإحياء)) للغزالي (2/ 213). .
الثَّانيةُ: تحمُّلُ الأذى، فيتحَمَّلُ أذى من يخالِطُهم؛ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((المُؤمِنُ الذي يخالطُ النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم أعظَمُ أجرًا من المُؤمِنِ الذي لا يخالِطُ النَّاسَ ولا يصبِرُ على أذاهم)) [3290] أخرجه ابن ماجه (4032)، وأحمد (5022) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4032)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (7/94)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (5022)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (10/528). ، وقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لا يَفْرَكْ مُؤمِنٌ مُؤمِنةً، إن كَرِه منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ)) [3291] أخرجه مسلم (1469) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وهذا حثٌّ على حُسنِ العِشرةِ والصُّحبةِ، والصَّبرِ على سُوءِ خُلُقِهنِّ [3292] ((شرح مصابيح السنة)) لابن الملك (4/ 6). .
وقال رجُلٌ لابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: إنَّ لي جارًا يؤذيني ويشتُمُني ويُضَيِّقُ عَلَيَّ، فقال: (إن هو عصى اللهَ فيك، فأطِعِ اللهَ فيه) [3293] ((سنن الصالحين)) للباجي (ص: 359). ، وقال ابنُ حزمٍ: (من أساء إلى أهلِه وجيرانِه فهو أسقَطُهم، ومن كافأ من أساء إليه منهم فهو مِثلُهم، ومن لم يكافِئْهم بإساءتِهم فهو سيِّدُهم وخيرُهم وأفضَلُهم) [3294] ((الأخلاق والسير في مداواة النفوس)) (ص: 20). .
الثَّالثةُ: بذلُ النَّدى، أي: المعروفِ، سواءٌ كان بالنَّفسِ أو المالِ أو الجاهِ؛ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يمنَعْ جارٌ جارَه أن يَغرِزَ خَشَبَه في جِدارِه)) [3295] أخرجه البخاري (2463) واللفظ له، ومسلم (1609) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال الغزاليُّ: (ليس حَقُّ الجوارِ كَفَّ الأذى فقط، بل احتِمالُ الأذى، ولا يكفي احتمالُ الأذى، بل لا بدَّ من الرِّفقِ وإسداءِ الخيرِ والمعروفِ) [3296] ((الإحياء)) للغزالي (2/ 213). .

انظر أيضا: